باب: نعم
  مقامه، وأن يراد به زيادة تمكين الممدوح فى القلب، وذلك من زيادة مدحه وأن يراد به كمال لذة العلم، حيث يراد به إمالة السامع لهذا الكلام، فتتم محبته للممدوح. والأقرب فيه الثانى (ووجه حسنه) أى: حسن باب نعم، وهو ما يراد به مدح عام للتوصل به لخاص أو ذم كذلك (سوى ما ذكر) أى: ووجه حسنه حسنا زائدا على ما ذكر من الإيضاح بعد الإبهام الكائن لأحد الأسرار السابقة.
  (إبراز) أى: إظهار (الكلام) الكائن من باب نعم (فى معرض الاعتدال) أى:
  فى زى الاستقامة من غير أن يكون فيه ميلان لمحض الإيضاح، ولا لمحض الإبهام والاعتدال الكائن فى باب نعم إنما هو من جهة أنه ليس من الإيضاح الصرف، لما فيه من الإيجاز بحذف المبتدأ والخبر، ولا من الإبهام الصرف لما فيه من الإطناب بذكر المخصوص الذى وقع به الإيضاح، وإن شئت قلت الاعتدال من جهة أنه ليس من الإيجاز المحض للإطناب بالإيضاح بعد الإبهام، ولا من الإطناب المحض للإيجاز بحذف جزء الجملة. والوجه الثانى أقرب، لأن الأول يمكن إجراؤه فى كل ما فيه إيضاح بعد إبهام، إذ ليس من الإيضاح الصرف ولا من الإبهام الصرف نعم يزيد هذا الباب بكون عدم الإيضاح الصرف فيه بسبب لزوم الإيجاز فيه الحاصل بالحذف (و) وجه حسنه أيضا سوى ما ذكر (إيهام) أى: ما فيه من إبهام (الجمع بين المتنافيين) وهو الإيجاز والإطناب.
  وهذان الوجهان أعنى: بروز الكلام فى معرض الاعتدال وإيهامه أن فيه الجمع بين متنافيين، مفهومهما مختلف ولو تلازما صدقا. ولا شك أن كلا الوجهين مما يستظرف وتستلذه النفوس، إذ الجمع بين متنافيين كإيقاع المحال فهو مما يستغرب.
  والاعتدال مما يستحسن فإن قيل: فهما حينئذ من البديع أو المعانى قلت: يمكن الأمران بمناسبة المقام، بأن يقتضى مزيد التأكيد فى إمالة قلب السامع للإصغاء، أو يقصد مجرد الظرافة والحسن وإنما قال إيهام، لأن حقيقة الجمع بين متنافيين إنما تكون بأن يصدق أمران يمتنع اجتماعهما على ذات واحدة من جهة واحدة، وذلك محال لا يقع، وإنما فى الكلام إيهامه لا إيقاعه إذ البيان متعلق بالخصوص وهو جزء جملة.