مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

الوجه الثالث: التكرير لنكتة

صفحة 659 - الجزء 1

  الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}⁣(⁣١) فإن الدعاء إلى الخير أعم من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وفيه شيء فإن الجملة فى معنى النكرة، فغاية ما يتحقق منها مطلق الدعاء إلى الخير وأيضا الدعاء إلى الخير محصور فى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. فأين العموم إلا أن يكون باعتبار كل منهما على الانفراد، وهو خلاف ظاهر كلامه فليتأمل.

الوجه الثالث: التكرير لنكتة

  (وإما بالتكرير) أى: الإطناب إما بالإيضاح بعد الإبهام وإما بكذا وإما بتكرار المذكور (لنكتة) وإنما قال لنكتة؛ لأن التكرار متى كان لغير نكتة كان تطويلا، فلظهور التطويل فى عدم النكتة فى التكرار نبه عليها فيه؛ فالإيضاح بعد الإبهام وذكر الخاص بعد العام، لا بد فى كل منهما من نكتة، ثم مثل للنكتة الموجودة فى التكرار بقوله (كتأكيد الإنذار فى) قوله تعالى: ({كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ٣ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ})⁣(⁣٢) فكلا للردع والزجر، وهى هنا للردع والزجر عن الانهماك فى الدنيا وللتنبيه على الخطأ فى الشغل بها عن الآخرة وقوله: {سَوْفَ تَعْلَمُونَ} إنذار وتخويف أى: ستعلمون ما أنتم عليه من الخطأ إذا عاينتم ما أمامكم من لقاء الله تعالى، وأهوال المحشر. وتكراره بالعطف إنما هو لتأكيد هذا الإنذار المناسب لتأكيده، إذ لعل الانزجار والشغل بالآخرة الدائمة يقع به قبل الفوات.

  (وفى) العطف ب (ثم دلالة على أن الإنذار الثانى) الذى اعتبره المتكلم أوكد، وهو فى رعايته وقصده (أبلغ) كما يقول القائل: أقول لك لا تفعل ثم تتقوى قريحته على النهى بأبلغ من الأول فيقول: ثم أقول لك لا تفعل، وبيان ذلك أن أصل ثم إفادة التراخى، والبعد الزمانى وقد استعير للتراخى، والبعد المعنوى. بمعنى أن المعطوف قد تكون مرتبته أعلى أو أدنى مما قبله، فتستعمل فيه تنزيلا للتفاوت فى الرتبة منزلة التفاوت فى الزمان، كما تقول فى الأول مثلا أحب زيدا ثم أحب عمرا تعنى بما هو


(١) آل عمران: ١٠٤.

(٢) التكاثر: ٣، ٤.