الوجه الرابع: الإيغال
  هذا سهل، فالمبالغة فى التشبيه ترجع إلى الإتيان بشيء يفيد كون المشبه به غاية فى كمال وجه الشبه، الكائن فيه، فينجر ذلك الكمال إلى المشبه الممدوح بوجه الشبه.
  وأما تحقيق التشبيه فيرجع إلى زيادة ما يحقق التساوى بين المشبه والمشبه به، حتى كأنهما شيء واحد لظهور الوجه فيهما بتمامه بسبب ذلك المزيد، فصار من ظهوره فيهما كأنه حقيقتهما وما سواه عوارض، من غير إشعار بكون المشبه به غاية فى الوجه، لعدم قصد تعظيم الوجه فى المشبه به ليجر ذلك إلى عظمته فى المشبه وإليه أشار بقوله (و) ك (تحقيق التشبيه) أى: بيان أن وجه الشبه تحقق فيما بين المشبهين لا اختلال فيه بالنسبة لأحدهما دون الآخر، فجاءت المبالغة كما تقدم. وتحقيق التشبيه المشار إليه هو كما (فى قوله) أى: امرئ القيس (كأن عيون الوحش)(١) المصطادة لنا (حول) أى: قرب طرف (خبائنا) أى: خيامنا. فالمراد بالخباء جنس الخيام الصادق بالكثير بدليل قوله (وأرحلنا) وهو من عطف التفسير (الجزع) خبر كأن، وهو بفتح الجيم الخرز اليمانى، وهو عقيق فيه دوائر البياض والسواد، شبه به عيون الوحش بعد موتها وذلك أن عيون الوحش أعنى الظباء والبقر تظهر فى حياتها سوداء كلها، وهى لا تخلو فى نفس الأمر من بياض، فإذا ماتت ظهر بياضها الذى كان غطى بالسواد زمن الحياة فتشبيه عيون الوحش بالجزع فى الشكل واللون، ظاهر ولكن الجزع المثقب يخالف العيون مخالفة ما فى الشكل فزاد قوله (الذى لم يثقب) ليحقق التشابه فى الشكل بتمامه. فهذه الزيادة لتحقيق التشبيه أى: التساوى فى وجه الشبه، وليس هذا من المبالغة السابقة كما يتوهم إذ لم يقصد علو المشبه به فى وجه الشبه، ليعلو بذلك المشبه الملحق به فقد ظهر الفرق بينهما كما تقدم، والمراد من هذا الكلام أنهم كانوا يصطادون الوحش كثيرا، وكثر أكلهم لتلك الوحوش، وتركهم لأعينها حول أخبيتهم، فصارت بتلك الصفة كذا فى شرح ديوان امرئ القيس، وبه يرد على من زعم أن المراد أن
(١) البيت لامرئ القيس فى ديوانه ص (٢١٧)، ولسان العرب (جزع)، وأساس البلاغة (جزع)، وتاج العروس (جزع) وكتاب العين (١/ ٢١٦).