مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

الإيجاز والإطناب النسبيان

صفحة 687 - الجزء 1

  (بنظار) أى: بناظر لأن فعالا يراد به فاعل، كما هنا إذ لا يناسب أمثلة المبالغة هنا (إلى جانب) أى: إلى جهة (الغنى) وأراد بالغنى المال ولازمه من الراحة والنعمة، وعدم النظر إلى جهة الغنى أبلغ فى التباعد من مجرد الإخبار بالترك (إذا كانت العلياء) أى: لا ألتفت إلى الغنى إذا رأيت العز والرفعة (فى جانب الفقر) وأراد بالفقر عدم المال ولازمه من التعب والمشقة ولا شك أن حاصل الشطر الأول وهو قوله يصد عن الدنيا إذا عن سؤدد أنه يطلب الرفعة، وإن مع ترك راحة الغنى ونعمته إلى مشقة عدم الدنيا وتعب فقدانها، لعلو همته وطلبه للمعالى وميله للسيادة والشهرة، وهى مع التعب أحب إليه من الراحة والغنى مع الخمول، وهو حاصل هذا البيت فالشطر الأول إيجاز بالنسبة لهذا البيت والبيت إطناب بالنسبة إليه وإن كان يمكن أن يدعى أن كلا منهما مساواة باعتبار ما جرى فى المتعارف وأن مثل العبارتين معا يجرى فى المتعارف، ومثل هذا الإيجاز يجوز أن يكون إيجازا بالتفسير السابق، وأن يكون مساواة بل وأن يكون إطنابا. وكذا الإطناب بهذا التفسير يجوز أن يكون إيجازا بالتفسير السابق، أو إطنابا أو مساواة هذا إذا نظر إلى هذا الحاصل فيستوى المقصود من الشطر والبيت وإن اعتبر مثل ما أشرنا إليه من كون البيت، دل على عدم الالتفات وعدم النظر إلى جانب الغنى عند عروض العليا فى جانب الفقر وهو أبلغ من مجرد الصد والترك بالفعل للغنى عند طلب المعالى مع أن البيت فيه تصريح بالفقر.

  والأول إذا اعتبر قو - له ولو برزت إلخ كان فيه ترك الدنيا عند ذلك وإن مع أحسن زى كان فى المعنيين خلاف، ما لكن مثل هذا الاختلاف ضعيف لا يخرج أصل المعنى عن الاتحاد لاستلزام ما فى كل منهما ما أشير إليه فى الآخر، مع أن الزائد على الشطر فى الأول لا يقابله شيء من الثانى صراحة، ولذلك جعل الشرط والبيت من هذا القبيل فافهم.

  (ويقرب منه) أى من هذا القبيل، وهو ما حصلت فيه المساواة فى المعنى مع كون إحدى العبارتين إيجازا فيه لقلة الحروف والأخرى إطنابا لكثرتها لا لزيادة فيه لفائدة (قوله تعالى {لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ})⁣(⁣١) أى: لا يسئل عن فعله سؤال إنكار، بأن يقال لم فعلت. ويدخل فى عدم السؤال عن الفعل عدم السؤال عن الحكم، بأن يقال لم حكمت لأن الحكم تعلق القدرة بإظهار مدلول الكلام الأزلى، وهم يسئلون من جانبه سؤال إنكار وتغبية إذ للسيد أن ينكر على عبده ما شاء (وقول الحماسى) أى: الشخص المنسوب إلى الحماسة، وهى الشجاعة.


(١) الأنبياء: ٢٣.