الإيجاز والإطناب النسبيان
  (وننكر إن شئنا على الناس قولهم)(١)، ولو لم يظهر موجب لإنكاره لنفاذ حكمنا فيهم وتمام رياستنا عليهم، (و) الناس (لا ينكرون القول) أى: قولنا (حين نقول) ولو ظهر فيه ما لا يريدون ولا يوافق أهواءهم، وحاصله أن رياستنا وعزتنا على الناس أوجبت أن ننكر قول من شئنا على أى وجه قاله بأن نتجاسر عليه، فنرد قوله بحيث لا ينفذ له، ولا يتجاسر أحد على قولنا، ولا يقدر على إنكاره ورده علينا، فمعنى البيت يشبه أن يكون معنى الآية، ومع ذلك اختلف اللفظ اختلافا بعيدا، وتفاوت تفاوتا بينا، فكانت الآية إيجازا بالنسبة إلى البيت؛ وإنما قال يقرب، ولم يقل منه؛ لعدم تساوى الآية، وقول الحماسى فى تمام أصل المعنى؛ لأن الآية نصت على جميع الأفعال، والبيت إنما فيه الأقوال، ولو لزم من عدم القدرة على إنكار الأقوال عدم القدرة على إنكار الأفعال، لكن النص فى الشيء أبلغ على أنا نقول لا يلزم من عدم إنكار الأقوال عدم إنكار الأفعال؛ لأن الأفعال أشد، فقد يترخص فى ترك إنكار الأقوال دونها، ولا يقال والآية ليس فيها إلا الأفعال، لأنا نقول تقدم شمول الأفعال للأقوال؛ لأن الأقوال المدركة من جانب الحق أفعال؛ لأنها عبارة عن تعلق القدرة بإظهار مدلول الكلام الأزلى، كما تقدم، فتشمل الأقوال وأيضا الموجود فى الآية نفى السؤال، وفى البيت نفى الإنكار ونفى السؤال أبلغ؛ لأنه إذا كان لا ينكر. ولو بلفظ السؤال، فكيف ينكر جهارا بخلاف نفى الإنكار فقد يكون هو المستعظم المتروك دون الإنكار بسورة السؤال، ومع ذلك ما فى الآية صدق وحق وما فى البيت دعوى وخرق، فقد تبين أن معنى الآية أخف وأعم وأعلى، وكيف لا يكون كذلك والله ø أعلم، فكلامه بمقتضيات الأحوال أخص وأولى.
  وقد تم الفن الأول وهو علم المعانى، ولله الحمد على التوفيق والتيسير والتسديد وهو المسئول بفضله المسدد أن يعين ويسدد لتمام الفنين الباقيين على أكمل وجه بجوده وكرمه وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما.
(١) البيت للسموأل اليهودى من قصيدة مطلعها:
إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه ... فكل رداء يرتديه جميل.
وأورده محمد بن على الجرجانى فى الإشارات ص (٢٦٠).