[فصل]
[فصل](١)
  (٣٥٤) قد يضمر التشبيه فى النفس؛ فلا يصرّح بشيء من أركانه سوى المشبّه، ويدلّ عليه: بأن يثبت للمشبّه أمر يختصّ بالمشبّه به، فيسمّى التشبيه استعارة بالكناية، أو مكنيّا عنها، وإثبات ذلك الأمر للمشبّه استعارة تخييلية؛ كما فى قول الهذليّ(٢) [من الكامل]:
  وإذا المنيّة أنشبت أظفارها ... ألفيت كلّ تميمة لا تنفع
  (٣٥٧) شبّه المنيّة بالسبع فى اغتيال النفوس بالقهر والغلبة، من غير تفرقة بين نفّاع وضرّار، فأثبت لها الأظفار التى لا يحمل ذلك فيه بدونها، وكما فى قول الآخر(٣):
  ولئن نطقت بشكر برّك مفصحا ... فلسان حالى بالشّكاية أنطق
  شبّه الحال بإنسان متكلّم فى الدّلالة على المقصود؛ فأثبت لها اللسان الذى به قوامها فيه. وكذا قول زهير(٤) [من الطويل]:
  صحا القلب عن سلمى وأقصر باطله ... وعرّى أفراس الصّبا ورواحله
  أراد أن يبيّن أنه ترك ما كان يرتكبه زمن المحبّة من الجهل، وأعرض عن معاودته فبطلت آلاته، فشبّه الصّبا بجهة من جهات المسير؛ كالحجّ والتجارة، قضى منها الوطر؛ فأهملت آلاتها، فأثبت لها الأفراس والرواحل، فالصّبا من الصّبوة بمعنى الميل إلى الجهل والفتوّة؛ ويحتمل أنه أراد بالأفراس والرواحل: دواعى النفوس، وشهواتها، والقوى
(١) فى بيان الاستعارة بالكناية والاستعارة التخييلية.
(٢) أورده محمد بن على الجرجانى فى الإشارات ص ٢٢٨، والهذلى هو أبو ذؤيب، خويلد بن خالد بن محرث شاعر مخضرم، والبيت من قصيدة له يرثى فيها بنيه، وقد هلكوا فى عام واحد، مطلعها:
أمن المنون وريبها تتوقّع* ... والدهر ليس بمعتب من يجزع
(٣) البيت لمحمد بن عبد الله العتبى، وقيل: لأبى النضر بن عبد الجبار، أورده محمد بن على الجرجانى فى الإشارات ص ٢٢٨.
(٤) لزهير فى ديوانه ص ١٢٤، والطراز ١/ ٢٣٣، والمصباح ١٣٢.