مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

الفن الأول علم المعاني

صفحة 77 - الجزء 1

  

  (حمدا) لمن أبان المعانى بأساليب البيان، وأبدع فى مقتضى أحوال الموجودات لطائف أبرزت دلائل وحدته إلى العيان، وتنزه عن الحاجة إلى شرح غامض الكلام وتلخيصه، وبيده مفتاح العلوم، لتكريم من شاء بنفى الجهالة عنه وتمحيصه. والصلاة والسّلام على من ظهر سعد الدين بظهوره، سيدنا ومولانا محمد، الذى ببلاغة كتابه وفصاحته انبسطت على البسيطة سواطع نوره، وعلى آله وصحابته الوارثين عنه بديع المعانى والألفاظ، الذين هم لحقيقة كلامه ومجازه كفلاء بالبيان والاحتفاظ.

  (أما بعد)، فإن أمر العلم قبل هذا متضائل الحجة، متضايق المحجة حين معالمه موسومة بالاندراس، ورجوع الحشاشة إليه من روحه بادية الإياس لتضاعف أهوال على معاشره تشيب النواصى، بشغل كل عن نفسه بكثرة ما يقاسى، ولترادف فاقات كاسرة لعزماتهم أشد من كسر الهام العواصى، فهى بحيث تذوب لها الجنادل الصم القواسى؛ حتى صار من هو منهم أهل لاقتناص أزاهره، وجدير بنظم فرائد جواهره منبوذا بالعرا، ملزوم أفنية الورى، منقطع المدد فى تلك المدد⁣(⁣١)، لا يأوى له أحد، فهام حزب أهل العلم فى ظلمات الافتقار، وطال عليهم ليل الإلغاء والاحتقار، إلى أن تداركهم نعمة من ربهم بطلوع طالع السعادة لحزبهم، وذلك بظهور الدولة الشريفية، المولوية الهاشمية الإسماعيلية، فإذا بدور عزهم طالعة مسفرة، وإذا وجوه أفراحهم ضاحكة مستبشرة، فذهبوا حينئذ فى العلوم كل مذهب، وتسمنوا فى المدارك أعلى ما يطلب، فعمّت مجالس التدريس مساجدهم وغشيت رحمة التعاطى للمفهوم معاهدهم، فصارت حجج العلم لديهم تتمايل اتضاحا، وشبهات الجهل فى جانبهم تتضاءل افتضاحا، ولم يزالوا فى الارتقاء فى تلك المدارج، وفى التنافس فيها دائما طلبا لسلوك أعدل المناهج، إلى أن بلغوا أعلى مراتب الإنشاء والتأليف، فصاروا بعد التعلم والتعرف رؤوس التعاليم والتعاريف، ثم زادهم من لا يخيب لآمل أمله، ولا يبطل لعامل مؤمن عمله نعمة منه بأن جعل خليفته فيهم هو المنصور بالله تعالى مولانا إسماعيل، رأس


(١) بين المدد بالفتح والمدد بضم الميم جناس ناقص، والمدد هو العون، والمدد جمع مدّة وهى الجزء من الزمان.