الفن الأول علم المعاني
  أملاك العصر، وهامة القماعيل(١)، وجعله ملاحظا لهم بعين الإجلال والتوقير، رءوفا بهم رأفة الوالد بولده الصغير، خافضا لهم جناح رحمته، حافظا لهم من الإهانة بسطوته، مادا عليهم سرادقات عزته، يزيد لمحسنهم فى الإحسان، ويتجاوز عن مسيئهم بالعفو والامتنان، قد كفاهم مهمات دنياهم، وأنعش لنبل المعالى قواهم، آمنهم من الخوف بحسن ما أظهره، وفتح لهم منافع الدين والدنيا بصفاء ما أضمره، خلد الله تعالى ملكه، وأدام حسن سيرته فيما ملكه - ومن قال آمين آمنه الله تعالى فى العاجل والآجل - فإن هذا دعاء للبرية شامل.
  ثم إن من بركات هذه الدولة السعيدة، ومن لطائف ميامينها العديدة، أن فتح لى فى إنشاء عدة من المؤلفات، فى فنون وعلوم مختلفات، وذلك بعد أن تعاطيت جملة وافرة من العلوم مع غصن دوحة هذه الدولة الأنضر، ونجم أفلاكها الذى هو أبه وأزهر، عالمها المحقق، وقيد أو ابدها المدقق، مولانا محمد بن إسماعيل - لازال هو وأهله مبلغين جميع المقاصد الخيرية بلا تغيير ولا تبديل - فأشار إلى التأليف، وإشارته فتح وغنم، وامتثال أمره مساعدة وحتم، فكان هذا الشرح من جملتها ومما يجب الثناء به على المولى - تبارك وتعالى - المعين على إنشائه، فهو الهادى للعبد إلى مراشده الدينية والدنيوية؛ ليشتغل بها بصدق نيته واعتنائه، وسبب ذلك - مع سابق المشيئة وإشارة من ذكر - أن شرف علم البيان مما لا اختلاف فيه، بحيث لا يتصور فى تقريره الشبهة لما ينافيه، ثم إن من أحكم كتبه المتداولات الكتاب المسمّى بتلخيص المفتاح، فإن فيه من اللطائف والمعانى ما لا تحيط بتحريره الحواشى والشراح، ثم إن الإمام سعد الدين ¦ ممن صرف عنان العناية لشرح معانيه، وتصدى لاستخراج لطائف مبانيه، فوضع عليه مختصرا ومطولا. وكان المختصر من الشرحين لمتعاطيه ملجأ ومعولا.
(١) واحدها قمعول: وهى براعيم النبت، والقمعال أيضا: سيد القوم، ورئيس الرعاة. ويقصد بذلك: مدحه والثناء عليه. انظر اللسان (قمع).