وجه الشبه المركب الحسى
  (و) أما الثالث وهو الهداية فهو وجه شبه فيما طرفه الأول وهو المشبه عقلي، والثاني وهو المشبه به حسي، وذلك في تشبيه (العلم بالنور) حيث يقال: «العلم كالنور والجهل كالظلمة» فإن وجه الشبه بين العلم والنور الهداية إلى المقصود؛ فإن العلم يفصل بين الحق والباطل، فقد دل على الطريق الذي هو الحق ليتبع فيتوصل به إلى المقصود من السلامة في الدنيا والآخرة، والنور يفصل بين طريق الهلاك وطريق السلامة ليركب الثاني دون الأول، فقد دل أي: هدى كل منهما إلى طريق السلامة والانتفاع فوجه الشبه بينهما ما اشتركا فيه وهو الهداية، وإن كانت في الأول معنوية وفي الثاني حسية باعتبار المتعلق (و) أما الرابع وهو استطابة النفس فهو وجه شبه فيما طرفه الأول وهو المشبه حسي، والثاني وهو المشبه به عقلي، وذلك في تشبيه (العطر) وهو ما يتعطر به مما له رائحة طيبة كالمسك (بخلق) أي: طبائع رجل (كريم)، ولا يخفى كما قررنا أن قوله في تشبيه الرجل إلخ هو مع ما قبله من باب اللف والنشر المرتب؛ إذ تشبيه وجود العديم النفع بعدمه يتعلق بالعراء عن الفائدة، وتشبيه الرجل الشجاع بالأسد يتعلق بالجراءة، وتشبيه العلم بالنور يتعلق بالهداية، وتشبيه العطر بخلق الرجل الكريم يتعلق باستطابة النفس، ثم لا يخفى أيضا أن العراء عن الفائدة واستطابة النفس من باب المقيد، وقد علم أن المقيد من قبيل المفرد، فما قيل من أن عدها من المفرد فيه تسامح لما فيها من شائبة التركيب إنما يتم لو كان الكلام في المفرد المقيد بكونه محضا في الإفراد، وليس كلامنا فيه، بل في مطلق المفرد، فصح عدها منه، فلا تسامح، وسيأتي البحث في التفريق بين المقيد والمركب، ثم شرع في بيان أمثلة المركب فقال:
وجه الشبه المركب الحسى
  (والمركب الحسي) الذي هو من جملة أوجه الشبه لا ينقسم باعتبار الطرفين إلى ما طرفاه عقليان أو حسيان أو مختلفان؛ لأن الحسي لا يكون طرفاه إلا حسيين كما تقدم، ولكن ينقسم باعتبار آخر وهو أن طرفيه إما مفردان أو مركبان أو المشبه مركب والمشبه به مفرد أو العكس، والمراد بالمركب هنا أحد قسمي ما هو بمنزلة المفرد، وهو