مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

التشبيه المجمل

صفحة 201 - الجزء 2

  أريد من المشبه به؛ لأن المشبه به هو الحلقة المفرغة لا مطلق الحلقة، والانتقال من الإفراغ إلى التناسب الذى هو الوجه فيه خفاء، فلم يعتبر فى الوصف المشعر بالوجه، ولو اعتبر مثل هذا في هذا القسم كان ذكر المشبه به بمثابة الوصف المشعر دائما، إذ لا يخلو المشبه به عن مطلق الإشعار، ولم يذكر أحد أنه بمثابته، وقد تقدم أن المفرغة لا طرفين لها، وإنما يتصور الطرفان الملتقيان فى المصنوعة بلا إفراغ، فذكر الطرفين لإشعار مطلق الحلقة بهما، وقد نبهنا على أن نفى درايتهما لا يستلزم وجودهما؛ لأن القضية السالبة لا تقتضى وجود الموضوع.

  (ومنه) أى: ومن هذا القسم من المجمل (ما ذكر فيه وصفهما) أى: وصف المشبه به والمشبه معا (كقوله) أى: كقول أبى تمام يمدح الحسن بن سهل: ستصبح العيس⁣(⁣١)، أى: الإبل بى، والليل يعنى وسير الليل عند فتى. كثير ذكر الرضا فى حالة الغضب (صدفت عنه) أى: أعرضت عنه، تجريبا لشأنه، أو خطأ منى وقلة وفاء بحقه (فلم تصدف) أى: لم تعرض عنى بمعنى لم تنقطع (مواهبه) أى: عطاياه (عنى وعاوده ظنى) أى: عاودته بمواصلته طلبا لإحسانه؛ ظنا منى أنى أجد فيه المراد، فنسبه المعاودة إلى الظن تجوز (فلم يخب) ظنى فيه بل وجدته عند معاودته طلبا للإحسان كما أظن، وكيف يخيب فيه الظن وهو يهب عند الإعراض فيهب عند الإقبال من باب أحرى، فهو فى إفاضته فى الإقبال والإدبار (كالغيث) أى: كالمطر الواسع المقبل الذى يغيث أهل الأرض، (أن جئته) أى: إن جئت الغيث حالة إقباله (وافاك) أى جاءك ولاقاك (ريقه) أى: أوله وأحسنه، يقال: فعل فلان هذا الأمر فى روق أو ريق شبابه أى: أوله وأحسنه، ويقال: أصابه ريق المطر أى: أوله وأحسنه، وريق كل شيء أفضله، وجعل أول المطر أحسنه للأمن معه من الفساد، وإنما يخشى الفساد بدوامه، (وإن ترحلت عنه) أى: فررت من الغيث (لج) بالجيم المعجمة أى: بالغ (فى الطلب) وأدركك مع فرارك منه، وأصل اللجاج المبالغة فى الكلام، والاشتغال به بقوة، فاستعمل فى إسراع المطر وإدراكه من فر منه بقوة، فالمشبه وهو الممدوح وصفه بأنه يعطى المعرض والمقبل،


(١) الأبيات لأبى تمام فى ديوانه (١/ ١١٣) من قصيدة يمدح فيها الحسن بن سهل، وعقود الجمان (٢/ ٢٨).