مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

التشبيه القريب المبتذل

صفحة 206 - الجزء 2

  الجملة (أسبق إلى النفس) عند توجهها للإدراك من التفصيل؛ وذلك لأن إدراك الجملة كما تقدم إدراك للعمومات مع قلة الاعتبارات، والأمر العام يكثر وجوده فى الأفراد فيكثر التلبس به فيسهل إدراكه، ولذا يقال الأعم أظهر من الأخص، ومن ثم يقال تقديمه فى التعريف أوجب، ويقال التعريف بالأخص تعريف بالأخفى، ويقرر لك خفاء التفصيل وظهور الجملة أنك لو توجهت إلى إدراك الإنسان وجدت أسبق ما يدرك منه وأسهله إدراكه من حيث إنه شيء، ثم من حيث إنه جسم، ثم من حيث إنه حيوان؛ لأن هذه عمومات يكثر وجود أفرادها، فتبدو معانيها فى الإنسان وغيره، فالأعم منها أسبق من الأخص، وهو الذى يليه، بخلاف إدراكه من حيث إنه جسم حساس متحرك بالإرادة ناطق فإنه خفى؛ لأنه أقل وجودا مما قبله، فإذا تحقق أن الجملة أسهل على النفس من التفصيل، فالوجه إن كان أمرا جمليا كان ظاهرا سهل التناول فيلزم كون التشبيه به مبتذلا على ما تقدم، فإذا فرضت إنسانا شبه زيدا بعمرو فى الإنسانية، وآخر شبهه به فى الإنسانية الموصوفة بشرف الحسب وكرم الطبع وحسن العشرة ودقة النظر فى الأمور ونجاح المسعى فيها، كان نظر الثانى أخفى من نظر الأول وأدق، وبهذا يعلم أن التشبيه الواحد يجوز أن يكون مبتذلا بما اعتبر فيه من جملة الوجه، وغير مبتذل بما اعتبر فيه من تفصيله، وكون الجملة أسبق من التفصيل متقرر حتى بالنسبة للحواس، فإن من نظر فى شيء أدرك منه جملة ربما يتوهم منها ذلك المنظر على خلاف ما هو، فإذا أمعن النظر أدرك فيه تفصيلا يظهر به ما فيه، ولهذا يقال النظرة الأولى حمقاء، وكذا فى السمع فإن أول ما يقرع السمع قبل تمكن الحاسة من المسموع الجملة التى تصبح معها الغلط، ولذلك يقال اختطف سمع فلان كذا فظنه كذا، وإنما كثر الغلط مع الجملة لإدخالها ما لا يوجد فى المدرك لعمومها، ولكن إنما تكون الجملة أظهر من التفصيل إن اعتبرا فى محل واحد فتسبق الجملة فيه، ثم إذا أمعن النظر ظهر ما خفى من التفصيل فيه، وأما إن اختلف المحل جاز أن يكون التفصيل أظهر لتكرره عند المدرك فى ذلك المحل دون الجملة فى محل آخر لعدم تكرره؛ لكن هذا لا يرد فيما نحن بصدده؛ لأن المراد الإلحاق بشيء وجد بجملة أو تفصيل كائنين فيه، (أو لكونه قليل التفصيل) هذا