مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

التشبيه البعيد الغريب

صفحة 211 - الجزء 2

  ملابسة وجوده فيكون غريبا لبعده عن الجملة التى تسبق إلى النفس لعمومها وكثرة أفرادها، والتكرار على الحس إنما ينفى الحاجة إلى التأمل إن كان الوجه فيه باديا قليلا، ليكون كلما لوحظ أدرك فيه الوجه أو قد تقدم، ما يفهم منه أن بذلك يكون الابتذال فى المحسوس، وأن النظر بالعين يكون فيه إدراك الجملة، أو إنما يكون فيه ما هو كتصور الجملة بالقلة والظهور، وأما عند وجود الكثرة فلا، ولذلك لو رأيت المرآة فى كف المرتعش دائمة الاضطراب وتكرر عليك إحساسها لم يوجب النظر المتكرر ابتذالا فيها، لما يبدو من الاستدارة والاستنارة ما هو مثلها، وأما ما سوى ذلك من الحركة وتموج الإشراق فيهم للفيضان على أطراف الدائرة ثم يبدو له فيرجع، وإنما يدرك بمزيد تكرر اللفظ وإحداده مرة بعد أخرى مع مصاحبة التأمل فى هيئة اجتماعهما، وهل كانت كذلك فى الطرفين معا أم لا، فلهذا مثل لهذا بقوله: وذلك (كقوله والشمس كالمرآة فى كف الأشل) ولا يخفى ما فيه من التفصيل فى وجه الشبه الذى لا يدرك إلا بعد إمعان النظر والتأمل فى تحقق مجموع الكيفية فى الطرفين، وقد تقدم بيانها كما أشرنا إليها آنفا فيكون بالحاجة إلى الإمعان والتأمل غريبا؛ لأن الإمعان والتأمل ليس إلا للخواص دون العامة أهل المجازفة، فإن قيل الحاجة إلى إمعان النظر فى مثل هذا ظاهرة؛ لأن النظر الأول أو ما يجرى مجراه مما لا إمعان فيه، ولو تكرر إنما يدرك الجملة أو ما هو كالجملة فى الوضوح كما تقدم، وأما الحاجة إلى التأمل فإنما هو فى العقليات لا فى الحسيات (قلت) يكفى فى نفى الابتذال الحاجة إلى تدقيق النظر وزيادة ذكر التأمل فى مثل ما ذكر؛ لأن تحقيق تلك الهيئة الاجتماعية فى الطرفين ونفي احتمال أن تكون فى أحدهما أنقص أمر عقلى وإن أسند إلى الحاسة، فيسمى الحكم به تاما لتوقفه على الإمعان بالحاسة كتوقف غيره على نظر فليتأمل.

  (أو ندور) عطف على قوله: لكثرة أى: خفاء الوجه الموجب للغرابة إما لما فيه من كثرة التفصيل، وإما لندور أى: قلة (حضور المشبه به) فى ذهن المتكلم، فإن ندورة الحضور تستلزم عدم إدراك تقرر الوجه فى المشبه به على وجه الكثرة، بمعنى أن اتصاف المشبه به لا يتصور حيث ندر حضوره إلا نادرا إن أدرك فيه، وإذا لم يتصور اتصافه