مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

التشبيه البعيد الغريب

صفحة 212 - الجزء 2

  بالوجه إلا نادرا أو لم يتصور أصلا امتنع الانتقال بسرعة عند روم التشبيه بذلك الوجه إلى المشبه به، وإذا امتنع الانتقال بسرعة لم يكن التشبيه مبتذلا، وذلك لما هو ظاهر من أن ما يحصل الانتقال فيه بسرعة لظهوره لذاته تشارك فيه العامة والخاصة، وما لا سرعة فيه لعدم ظهوره لذاته تختص به الخاصة فلا يكون مبتذلا، وقد تقدم نحو هذا غير ما مرة، ثم ندرة حضور المشبه به (إما) أن تحصل (عند حضور المشبه) وذلك (لبعد المناسبة) بين المشبه والمشبه به لكونهما من جنسين بعيدى الالتقاء فى مكان واحد، فإنه أخص فى الذهن من معنى تسارعت النفس إلى استحضار ما يعتاد تلاقيه معه فى المعانى وما تألف اجتماعه معه فى المتخيلة لتقارنهما فيها كما تقارنا خارجه، أو يزاحم ذلك الحاضر المعتاد غيره فلا ينتقل الذهن إلى ذلك الغير إلا بعد الاتساع فى الأفكار فتنتفى سرعة الانتقال الموجبة للابتذال فيكون التشبيه غريبا، وذلك (كما مر) أى: كالتشبيه الذى مر فى قوله⁣(⁣١):

  ولا زوردية تزهو بزرقتها ... بين الرياض على حمر اليواقيت

  كأنها فوق قامات ضعفن بها ... أوائل النار فى أطراف كبريت

  فإن لا زوردية وهى البنفسجة شبهت بالنار فى أطراف الكبريت، ومعلوم أن الذى ينتقل إليه بسرعة عند حضورها هى الأزهار والرياحين التى هى من جنسها لا النار فى أطراف الكبريت وإن كانت بنفسها كثيرة الوقوع، وقد تقدم تحقيق ما فى هذا التشبيه، ولما كان الانتقال من البنفسج إلى النار المذكورة بعد التأمل والاتساع فى المدارك كان التشبيه غريبا، فإن قيل لعل الشاعر حضرا عنده حال التشبيه فلا يكون الانتقال غير سريع، فيكون التشبيه غير غريب بالنسبة إليه، (قلت) المراد ببعد الانتقال الموجب للغرابة أن يكون الشأن كذلك فى الشيء ولو اتفق الانتقال بسرعة لعارض،


(١) البيتان لابن المعتز، أوردهما في التبيان (١/ ٢٧٣) بتحقيق د. عبد الحميد هنداوى، والعلوى فى الطراز (١/ ٢٦٧)، واللازوردية: البنفسجة نسبة إلى اللازورد، وهو حجر نفيس، وعقود الجمان (٢/ ٢١).