تعريف الوضع
  الموضوع، وإنما عبر به لأنه لم يقصد التعريف، وإذا أريد التعريف عبر عن مصدوقه بعبارة أخرى فيقال مثلا: الوضع تعيين اللفظ للدلالة على المعنى من غير قرينة مانعة عن إرادة المعنى الأصلي، كما قيل: إن الأصلي هو ما وضع له اللفظ أولا، ولا معنى له غير ذلك؛ فعاد الدور.
  وثانيها: أن المفهوم من قولنا دل اللفظ بنفسه أنه دل بلا شيء آخر وراءه، وليس فيه ما يشعر بأن المراد بلا شيء هو القرينة المانعة، وباعتبار ذلك في الحد يحتاج إلى بيان فيه، ولم يوجد.
  وثالثها: أن قوله: من غير قرينة لفظية يقتضي حصر قرينة المجاز في اللفظية؛ وهو فاسد؛ فإنك لو قلت: رأيت أسدا، عند قول القائل لك: ما أرهبك؟ في مكان لا يتحرك فيه الأسد الحقيقي فهم المعنى المجازي بلا قرينة لفظية.
  ورابعها: أن غاية تصحيح هذا التمحل أن تكون الكناية حقيقة، وهو فاسد على مذهب المصنف، فلا معنى لتمحل ما يبطل مذهبه فحمله على السهو أوجب وبهذا يعلم أن ما يقال: لأنها منها دون المجاز لا يصح؛ لأنه لا يتم إلا بنحو التمحل المذكور، وقد تبين فساده وإنما قلنا كذلك، لأنه إن لم يتمحل بنحو ما ذكر خرجت الكناية؛ لأنها من حيث معناها الذي صارت به كناية لا تدل بنفسها بل بقرينة، كما تقدم وعلى تقدير تسليم صحة ذلك التمحل لا يرتكب إلا بثبوت كونها حقيقة، والمصنف لا يقول بذلك وإن صرح به السكاكي - فلا يحمل كلامه على ما يخالف مذهبه، بل يحمل على السهو منه، أو من الناسخ؛ وذلك أن المصنف إنما يقول بأن لفظ الكناية استعمل فيما لم يوضع له وهو لازم معناه مع جواز إرادة الملزوم، فليس عنده من الحقيقة وسنحقق مذهبه فيما يأتي إن شاء الله تعالى.
  ولما عرف الوضع - ومعلوم أن الحاجة إلى تعريفه إنما هي بناء على الحق وهو أن دلالة الألفاظ وضعية يصح تبدلها وتختلف اللغات بحسب أوضاع تلك الدلالة - أشار إلى ما يخالف ذلك، وأن ظاهر ما قيل مما فيه مخالفة لكون الدلالة وضعية فاسد، فقال: