مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

علاقة الجزئية والكلية

صفحة 265 - الجزء 2

  وثانيهما العكس أعني: تسمية الجزء باسم الكل ولا يخفى ما في العبارة من التسامح، لأن ظاهرها أن المجاز نفسه هو تسمية الشيء باسم الجزء، وقد علمت أن المجاز هو اللفظ الذي كان للجزء وأطلق على الكل للملابسة، ولكن لما كان سبب كونه مجازا معتبرا تسمية الكل به لكونه اسما لجزئه تجوز في جعل التسمية نفس المجاز، فالأول وهو الذي صحة كونه مجازا إنما هي باعتبار كونه اسما للكل لكونه اسما لجزئه (كالعين) التي هي الجارحة المخصوصة في أصلها فإنها تستعمل مجازا مرسلا (في الربيئة) والربيئة: اسم الشخص الرقيب، والعين جزء منه، وقد أطلق اسم جزئه عليه، ولكن لا يصح إطلاق كل اسم جزء على الكل وإنما يطلق اسم الجزء الذي له مزيد اختصاص بتحقق ما صار به ذلك الكل حاصلا بوصفه الخاص، فإن الربيئة إنما تحقق كونه شخصا رقيبا بالعين؛ إذ لولاها انتفت عنه الرقيبية، فلذلك يقال فيه: يجب قتل العين واتخاذ الحذر منه، ولا يقال: يقتل يد، ولا يقتل رجل مرادا بهما الرقيب وقيل: إن الإسناد إلى العين لهذا المعنى من المجاز العقلي وإن جعل الكل ينسب إلى الجزء لكثرة الملابسة؛ وفيه بعد.

  (و) أما (عكسه) أي: عكس ما كان في تسمية الشيء باسم جزئه؛ وهو ما كان في تسمية الجزء باسم الكل ف (كالأصابع) الموضوعة للأعضاء المعلومة، فإنها تستعمل (في) أجزائها التي هي (الأنامل) مجازا مرسلا، كقوله تعالى: {يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ}⁣(⁣١) أي: أنامل أصابعهم، للعلم بأن جعل الأصابع بتمامها في الآذان غير واقع، وقيل: إن هذا من باب نسبة الفعل الذي في نفس الأمر للكل لجزئه، ولا يسمى مجازا؛ كقولك: ضربت زيدا، ومسحت بالمنديل، فلا يكون مجازا ولو لم تضرب كلا، ولا مسحت بالكل، وفيه تعسف؛ لأن نسبة مطلق الجعل إلى الأصابع كثيرا ما يراد به الكل، فلو لا الآذان لجرى على الأصل. وأما نحو الضرب فلا يخلو من تصوره على الكل فجعل من باب الحقيقة، وإلا لم يخل كلام عن مجاز غالبا، وهو مذهب مردود، ولا يخفى صحة الانتقال بعلاقة الجزئية والكلية.


(١) البقرة: ١٩.