مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

اعتبار ما كان

صفحة 266 - الجزء 2

علاقة السببية

  (وتسمية) أي: ومن المجاز تسمية (الشيء باسم مسببه) والتسامح هنا وفيما بعده كما تقدم وذلك (نحو) قولهم: (أمطرت السماء نباتا) أي: أمطرت غيثا، ولما كان النبات مسببا عن الغيث سموا الغيث بالنبات الذي هو اسم مسببه. وقد ذكر في الإيضاح من أمثلة تسمية السبب باسم المسبب قولهم: أكل فلان الدم. وهو بحسب الظاهر سهو؛ إذ الدم اسم السبب وأطلق على مسببه الذي هو الدية الحاصلة عن الدم، وزاده إشكالا بقوله في تفسيره: أي: الدية المسببة عن الدم؛ فبين أن الدية التي أطلق عليها الدم مسببة، والكلام في العكس؛ أي: في إطلاق اسم المسبب على السبب؛ كما في: أمطرت السماء نباتا، لا في إطلاق اسم السبب على المسبب كما ذكر في أكل الدم. وأجيب بأن المعنى على اعتبار العلة الحاملة وهي سبب فأطلق عليها اسم المسبب؛ لأن الدية رجاؤها هو السبب في الإقدام على الدم، فأطلق الدم الذي هو المسبب باعتبار العلة الحاملة على السبب الذي هو الدية، وإن كان الواقع في الخارج ترتب الدية على الدم؛ لأن العلة الغائية يتأخر وجودها عن مسببها. ولا يخفى ما فيه من التعسف؛ لأنه اعتبار عقلي بين الرجاء والإقدام، وهو خلاف مدلول اللفظ، مع ما فيه من الخروج إلى الاعتبارات العقلية المحضة التي لا يراعيها البلغاء. وأجيب أيضا بأن المعتبر هو الأكل وأخذ الدية، ولا شك أن الأكل مسبب أطلق على السبب الذي هو الأخذ وهو في التعسف كالأول، مع زيادة أن الدم لم يتعرض لوجه إطلاقه حينئذ على الدية مع أن الكلام في ذلك، لا في الأخذ والأكل.

اعتبار ما كان

  (أو ما كان عليه) أي: ومن المجاز المرسل عند الجمهور خلافا لمن جعل وجود المعنى فيما مضى كافيا في الإطلاق الحقيقي تسمية الشيء باسم الذي أطلق على الشيء باعتبار الحال الذي كان عليه أولا، وليس ذلك الحال الذي باعتباره أطلق اللفظ موجودا الآن وذلك (نحو) قوله تعالى: {وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ}⁣(⁣١) فقد أطلق اليتامى


(١) النساء: ٢.