وإذا المنية أنشبت أظفارها
  وثانيهما: أنه قذف في تلك الحروب بسبب اللحم الذي فيه الدال على قوته، وبسبب عقله الدال على أنه أهل لها فصار من جملة من له جسامة بسببها قذف في الحروب؛ ونبالة بسببها يقوم لها، وهذا الوجه يخالف الأول في معنى الجسامة، وفي ترتيب النبالة، والجسامة في الأول على القذف، وتقدمهما على الثاني، ويحتمل أن يكون اسم فاعل، ويكون المعنى: أن هذا الأسد من الرجال قذف باللحم ورمي به عند تقطيع أجسام الأعداء فصار من جملة المعدودين من أهل الجسامة؛ أي: القوة الأسدية التي بها توصل وتمكن من تقطيع لحم الحيوانات، والرمي به عنها، ومن أهل النبالة التي بها يتوصل إلى ذلك التقطيع، فإن القوة تحتاج إلى حيلة التوصل، ألا ترى أن الأسد يحتاج إلى تحيل وتخيل يتمكن بهما من المراد؛ ولذلك قيل إن الوجه الأول أعني: كون مقذف بصيغة اسم المفعول باحتماليه على ما تقدم ملائم للمستعار له؛ فيكون تجريدا، والثاني: أعني: كونه بصيغة اسم الفاعل على ما تقدم ملائم للمستعار منه فيكون ترشيحا، ولا يخلو كونه ترشيحا من تمحل ما.
  وقد علم مما قررنا أن الجسامة والنبالة لا تختص بتقدير كونه اسم فاعل، ولا بكونه اسم مفعول، بل تجري في الاحتمالين؛ تأمله.
  ولا شك أن الأسد في المثال مستعار لما يصدق عليه الرجل الشجاع وهو أمر متحقق حسا.
  (وقوله) أي: مثال المتحقق عقلا قوله تعالى في تعليم العباد دعاءه: {اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ}(١) فإن الصراط المستقيم في الأصل هو الطريق الذي لا اعوجاج به حتى يوصل إلى المطلوب، واستعير لمعنى متحقق عقلا؛ وهو القواعد المدلولة بالوحي ليؤخذ بمقتضاها اعتقادا وعملا، ولا شك أن تلك القواعد أمر معنوي وهو المسمى بالدين الحق؛ ولهذا فسر: {الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ} بقوله: (أي: الدين الحق) ووجه الشبه: التوصل إلى المطلوب بكل منهما.
(١) الفاتحة: ٦.