اللف والنشر
  وأسد وبحر جودا وبهاء وشجاعة، ولا يخفى اختلاطه؛ لأن الجود وهو الأول من النشر عائد إلى البحر وهو الآخر من اللف، والبهاء وهو الثاني من النشر عائد للأول من اللف وهو الشمس، وشجاعة وهو الآخر من النشر عائد إلى الوسط من اللف.
  (و) القسم (الثاني) مما اشتمل عليه تعريف اللف والنشر، وهو أن يكون ذكر المتعدد على سبيل الإجمال، فهذا مقابل قوله: فالأول ضربان، أي: القسم الثاني من قسمي التفصيل والإجمال، وهو الإجمالي منهما (نحو) قوله تعالى: {وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى}(١) فقد ذكر الضمير المجمل لليهود والنصارى في «قالوا»؛ لأن ضمير الجمع فيه عائد للفريقين، أعني: اليهود والنصارى، ثم ذكر ما يخص كلا منهما في قوله: «إلا من كان هودا أو نصارى» (أي: قالت اليهود لن يدخل الجنة إلا من كان هودا، وقالت النصارى لن يدخل الجنة إلا من كان نصارى، فلف) في قوله «قالوا» أي: قائلين؛ إذ لم يميز كل فريق باسمه الخاص به، أو نقول لف بين قولي الفريقين؛ إذ لم يبين فيه مقول كل فريق، فالإجمال الموجب للف إما بالنسبة إلى الفريقين المذكورين بقوله تعالى «وقالوا» أو إلى قول الفريقين ما ذكروا، إنما سوغ الإجمال في اللف ثبوت التضاد بين اليهود والنصارى، فلا يمكن أن يقول أحد الفريقين بدخول الفريق الآخر الجنة، فوثق بالعقل في أن يرد كل قول إلى فريقه أو يرد كل مقول إلى قوله (لعدم الالتباس) أي: لأمن الاشتباه (للعلم بتضليل كل فريق) من اليهود والنصارى (صاحبه) واعتقاده أن داخل الجنة هو لا صاحبه؛ لقوله تعالى {وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ}(٢) وقائل ذلك يهود المدينة، ونصارى نجران، وهود جمع هائد كعائذ وعوذ، ووحد اسم كان وهو الضمير المستتر فيها، وجمع خبرها مراعاة للفظ من ومعناها، ولا يتصور في هذا الضرب وهو ذكر المتعدد على سبيل الإجمال الترتيب وعدمه.
(١) البقرة: ١١١.
(٢) البقرة: ١١٣.