مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

فصاحة الكلام

صفحة 123 - الجزء 1

  الدهر كناية عن أحزنه، وأضحكه كناية عن سره، وأصاب فى هذه الكناية ولكن أخطأ فى تعبيره عن مراده بقوله: لتجمدا أى العين وهو الفرح أو السرور بدوام لقاء الأحبة (فإن الانتقال) عرفا إنما هو (من جمود العين إلى بخلها بالدموع) عند طلبه منها، ومعلوم أنه إنما يطلب منها عند شدة الحزن؛ لأن المقام مقامه حينئذ، وذلك كقوله:

  ألا إن عينا لم تجد يوم واسط ... عليك بجارى دمعها لجمود⁣(⁣١)

  أى: بخيلة، ولهذا لا يقال جمد الله عينك أى: أسرها (لا إلى ما قصده من السرور) ولو أراد الانتقال بسرعة على مقتضى العرف إلى ما قصد من السرور لقال لأضحكا؛ لأن الضحك يكنى به عن السرور كما تقدم كثيرا. وفى معنى البيت وجهان:

  أحدهما: أن الزمان والأحبة من عادتهم عكس المراد، فأطلب خلاف المراد لعلنى أغالطهم فيأتون بالمراد، وهذا يحسنه إظهار أن القائل يطلب مغالطة الزمان على وجه الظرافة والتمليح، وإلا فلا يخفى أن الأحبة والزمان على تقدير تسليم هذا إنما يأتون بخلاف المراد فى نفس الأمر لا بخلافه فى الظاهر، ولهذا قيل: إن هذا الكلام فاسد، وقد علمت أنه يحسن بإظهار قصد المغالطة على وجه الظرافة.

  والوجه الثانى: أن المراد بالطلب ارتكاب فعل الطالب بإظهار عدم الضجر الحاصل بالصبر، وتوطين النفس على المكروه المؤدى إلى إفاضة الدموع؛ ليحصل عن ذلك دوام السرور بدوام التلاقى، فإن الصبر مفتاح الفرج (قيل): فصاحة الكلام: هى خلوصه مما تقدم (و) خلوصه أيضا (من كثرة التكرار) والمراد بالكثرة ههنا ما فوق الواحدة، فذكر الشيء أيضا ثانيا تكراره، وذكره ثالثا كثرة، سواء كان المذكور ضميرا أو غيره.

  (و) خلوصه أيضا من (تتابع الإضافات) وسواء كانت متداخلة أو لا فكثرة التكرار (كقوله):

  وتسعدنى فى غمرة بعد غمرة ... (سبوح لها منها عليها شواهد)⁣(⁣٢)


(١) البيت لأبي عطاء السندى في رثاء ابن هبيرة عند ما قتله المنصور. يوم واسط بعد أن أمنه، وواسط مدينة بالعراق بناها الحجاج، والبيت في شرح الحماسة للتبريزى ٢/ ١٥١، والإشارات والتنبيهات ص ١٢.

(٢) البيت من الطويل، وهو للمتنبي في ديوانه ٢/ ٧٠، وشرح التبيان ١/ ١٨٧، وفي التبيان للطيي ٢/ ٥٢٦.