بلاغة الكلام
  وقوله: (بالتركيب) تصوير لا لإخراج شيء ضرورة استحالة إفادة معنى يحسن السكوت عليه بدون التركيب الذى هو المراد هنا وهو متعلق بإفادة، ونبه به على أن البلاغة لما كانت هى مطابقة الكلام لمقتضى الحال - الذى هو خصوصية زائدة على أصل المراد - تعين أن وجودها فرع وجود التركيب المفيد، فإن وجود الأخص وهو الاعتبار الزائد على أصل المراد فرع وجود الأعم الذى هو أصل المراد، وأصل المراد لا يكون إلا بالتركيب المفيد، فكذا الزائد عليه فالكلمات المفردة والألفاظ المجردة عن المعنى الزائدة لا توصف بالبلاغة، فقول الشيخ عبد القاهر: «إن البلاغة ترجع إلى المعنى لا إلى اللفظ» يعنى إلى المعنى الثانى الخاص لا إلى اللفظ، يعنى باعتبار إفادته المعنى الأول المطروح فى الطريق، وقوله: «ترجع إلى اللفظ يعنى باعتبار إفادته المعنى الخاص فلا تناقض فى كلامه ثم أشار إلى أن إطلاق لفظ الفصاحة على معنى البلاغة واقع فى ألسنة أهل الفن كثيرا، ومن ذلك قولهم: «إن إعجاز القرآن من جهة كونه فى أعلى مراتب الفصاحة» ويعنون بالفصاحة هذا المعنى فقال: (وكثيرا ما يسمى ذلك) المعنى الذى هو مطابقة الكلام لمقتضى الحال (فصاحة أيضا) ونصب كثيرا إما على المفعولية المطلقة على أن يضمن «يسمى» معنى يطلق، ذلك إطلاقا كثيرا، وإما على الظرفية أى: زمانا كثيرا يسمى ذلك فصاحة، وزيادة ما لتأكيد الكثرة ثم أشار إلى تفاوت البلاغة باعتبار تمام المراعاة للخصائص المناسبة فى كل مقام وعدم تمامها، وأنها فى ذلك ثلاث مراتب بقوله (ولها) أى: ولبلاغة الكلام (طرفان) طرف (أعلى وهو حد الإعجاز) أى: القدر الذى إذا روعى فى الكلام خرج عن طوق البشر، ووقع به الإعجاز، وسماه حدّا أعلى؛ لأنه توهم ما يراعى فى البلاغة كمدارج يرتقى فيها الكلام، فإذا بلغ الحد الأعلى من تلك المدارج كان إعجازا، وقوله: (وما يقرب منه) يحتمل أن يكون معطوفا على «حد»، وهو الأقرب إلى اللفظ، فيكون خبرا عن الأعلى، ويرد عليه أن ما يقرب من الأعلى ليس بأعلى قطعا، لأنا إن أردنا بالطرف الأعلى الشخص فلا يصح الإخبار عنه بما يقرب منه؛ لأنه خلافه، وإن أردنا النوع فلا بد من وجه تتحقق به نوعيته الشاملة لأفراده، وبه صار الجميع أعلى، والنوعية بالإعجاز تخرج ما يقرب من حد الإعجاز،