مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

(الفن الأول) علم المعاني

صفحة 140 - الجزء 1

  تأدية أصل المعنى بالتراكيب العربية، وكالمحسنات البديعية؛ لأنه إنما يؤتى بها بعد حصول المطابقة بغيرها، وخرج بقوله أيضا: يطابق بها مقتضى الحال علم البيان؛ لأن الأمور المذكورة فيه من تحقيق المجاز بأنواعه والحقيقة والكناية وما يتعلق بذلك لم تذكر فيه من حيث إنه يطابق بها مقتضى الحال، وإذا اعتبرت من تلك الحيثية كانت من هذا الفن، وإنما ذكرت من حيث ما يقبل منها لا ما لا يقبل، ومن حيث تحقيق تفاصيلها وأصول شروط المجاز منها؛ ليحترز بذلك عن التعقيد المعنوى، وإنما خرج بما ذكر؛ لأن المراد أن هذه الأحوال تعرف فى هذا الفن من حيث إنها يطابق بها مقتضى الحال، إذ لم تذكر فيها لمجرد تصور معانيها، فإن معانى التعريف والتنكير والتقديم والتأخير والحذف والذكر وغير ذلك قد عرفت فى فن آخر، وإنما ذكرت هنا من هذه الحيثية، فخرج بذلك علم البيان كما قررنا، ثم إنه ينبغى أن يفهم الكلام على معنى أن هذه الأحوال بها يطابق الكلام، الموجودة هى فيه، جزئيات كلام كلى هو مقتضى الحال مكيفا بتلك الكيفية، وقد تقدم أن مقتضى الحال كلام كلى مكيف بكيفية كلية، ومطابقة كلام جزئى مكيف بكيفية جزئية، فطابق هذا الجزئى ذلك الكلى لصدق الكلى عليه، عكس ما يقال: إن الكلى يطابق جزئية، وقد تقدم تحقيقه.

  وأما من قال: إن مقتضى الحال هو تلك الكيفيات ومعلوم أن بها يطابق الكلام مقتضى الحال فيلزم عليه مطابقة تلك الكيفيات لنفسها؛ لأنه إذا كانت تلك الكيفيات نفس المقتضى، وبها يحصل التطابق لزم ما ذكر. كذا قيل وفيه نظر؛ لأنا كما جعلنا وجه اختلاف الكلامين المتطابقين كون أحدهما كليا والآخر جزئيا، ونفينا بذلك مطابقة الشيء لنفسه صح ذلك الاعتبار بعينه فى الكيفية بأن تغيير إحداهما كلية والأخرى جزئية، فيصح التطابق بينهما تأمله.

  وقد تقدم ما يفيده ثم من جملة أحوال اللفظ أحوال الإسناد؛ لأن الإسناد لما كان متعلقا بطرفى الجملة وهى لفظ كانت أحواله من التأكيد وغيره مثلا متعلقة بهذا الاعتبار بالجملة، التى طرفاها من جنس اللفظ بواسطة أن المتعلق بطرف الشيء متعلق بذلك الشيء، فلا يرد ما يقال من أن الإسناد معنى، فأحواله أحوال المعنى لا أحوال