مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

الصدق والكذب في الخبر

صفحة 151 - الجزء 1

  عليه ما قيل: أفترى فى الافتراء: وهو الكذب، وفى الإخبار: حالة الجنون، وإنما قلنا: فى الإخبار حال الجنون لا فى «أم به جنة» لأن الاتصاف بوجود الجنون الذى هو مدلول به جنة لا يصدق عليه الإخبار حتى ينحصر فيه وفى مقابله مثلا، بل نقول: هو إنشاء باعتبار الأصل، إذ المعنى: هل افترى علي كذبا أم هل به جنون؟ فأخبر حال الجنون، فإن روعى الأصل لم يصح وصفه بأوصاف الخبر من الصدق أو غيره، وإن روعى أن المعنى إما أنه مفتر وإما أن به جنونا لم يصح صدق الخبر عليه بهذا المعنى أيضا، حتى يوصف بأوصافه، فتعين إرادة لازمه وهو الإخبار حال الجنون وهو الموصوف بالصدق أو غيره، فالمراد أن أمره دائر بين كونه أفترى أو أخبر حال الجنون، فصورته صورة استفهام لطلب التعيين لاعتقاد أن الواقع أحدهما، والمراد الحصر على وجه منع الخلو والاجتماع معا، وإنما دل هذا الكلام على ثبوت الواسطة (لأن المراد بالثانى) وهو الإخبار حال الجنون (غير الكذب) وإنما كان المراد غير الكذب (لأنه) أى: لأن الثانى (قسيمه) أى قسيم الافتراء الذى هو الكذب، وقسيم الشيء على وجه منع الجمع لا يصدق عليه، وبهذا يعلم أن الحصر على وجه منع الجمع والخلو معا (و) المراد بالثانى أيضا وهو الإخبار حال الجنون (غير الصدق) وإنما قلنا: مرادهم به غير الصدق أيضا (لأنهم لم يعتقدوه) أى: لم يعتقدوا الصدق فى إخبار النبى لأنهم كفار أعداء لا يعتقدون الصدق أصلا، بل هو غاية البعد عن اعتقادهم لكفرهم لا يقال: عدم اعتقاد الصدق بعدم الاعتقاد أصلا فيتصور منهم التسليم بأن يكون غير معتقدين صدقا ولا عدمه، فيصح أن يكون الحاصل فى نفس الأمر عندهم الصدق؛ لأنا نقول: إنهم أعداء كفار معتقدون لعدم الصدق، فعبر المصنف عن اعتقاد عدم الصدق بعدم اعتقاد الصدق؛ للعلم بعنادهم، ولو عبر به كان أظهر، فإذا كان الإخبار حال الجنون لم يريدوا به صدقا ولا كذبا لما ذكر، فقد أرادوا بذلك غيرهما وهم عرب يستدل باطلاقهم وإرادتهم، لزم أن مرادهم بالإخبار حال الجنون ما هو واسطة، فقد جعل عدم اعتقادهم للصدق المتضمن لاعتقادهم عدم الصدق دليلا على إرادة غير الصدق وهو غير الكذب أيضا لما ذكر، فتم الدليل، ولم يجعل عدم الاعتقاد للصدق دليلا على عدم وجود الصدق حتى يرد أن عدم اعتقاد الصدق لا يستلزم عدم وجوده،