(أحوال الإسناد الخبرى)
  مقتضى ظاهر الحال (فيجعل غير السائل كالسائل) فيؤكد الكلام معه استحسانا، وإنما يخرج الكلام معه كذلك بتنزيله كالسائل (إذا قدم إليه) أى: إلى غير السائل (ما يلوح) أى يشير (له ب) جنس (الخبر) وذلك بأن يذكر له شيء من شأن صاحب الذكاء والفطنة التسارع منه إلى فهم جنس الكلام أو نوعه، فإن تسارع إليه وتردد فيه بالفعل خرج عن التنزيل، وإلا (ف) هو بحيث (يستشرف له استشراف المتردد الطالب) والاستشراف إلى الشيء أن ينظر إليه الإنسان رافعا رأسه باسطا كفه على عينه، كالمتقى لشعاع الشمس، وذلك نحو قوله تعالى ({وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا})(١) والخطاب لنوح أى: لا تكلمنى يا نوح فى شأن قومك ولا تشفع فى دفع العذاب عنهم، وقد تقدم قوله أيضا {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا}(٢) فكان المقام مقام التردد فى أن القوم هل حكم عليهم بالإغراق أم لا؟ فقيل: ({إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ}) بأن الجملة الاسمية وقد علم من قولنا: «فكان المقام مقام التردد» أن المراد بقوله «يستشرف» كون المقام مقام الاستشراف كما قررنا، لا وقوع الاستشراف بالفعل، وإلا كان المقام ظاهريّا لا تنزيلياّ وعلم من قولنا: «جنسه ونوعه» أنه يجب أن يكون بحيث يتردد فى شخص الخبر ونوعه، سواء كانت نوعية الخبر أو شخصيته باعتبار ذاته، أو باعتبار المخبر عنه، بل يكفى كونه بحيث يتردد فى الجنس فى صحة الجواب بالشخص، مؤكدا لتضمنه للجنس، كقوله تعالى {يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ}(٣) فإن خطاب الناس بأمرهم بتقوى ربهم يشعر بأن ذلك الأمر مخوف، فكان المقام مقام التردد هل أمامهم شيء عظيم يقع لهم إن لم يتقوا من غير تعيين ذلك الشيء؟ فقيل: إن زلزلة الساعة شيء عظيم مؤكدا مع تعيين شخص المخبر عنه تأمله.
  (و) يجعل (غير المنكر) ودخل فيه خالى الذهن والطالب (كالمنكر) فيلقى إليه الكلام مؤكدا على سبيل الوجوب أما دخول الخالى فواضح، وأما الطالب فلأن التأكيد
(١) هود: ٣٧.
(٢) هود: ٣٧.
(٣) الحج: ١.