مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

(أحوال الإسناد الخبرى)

صفحة 163 - الجزء 1

  به الاعتذار لصاحبه، ومجرد وجود العقل لا يكفى فى الغرض حتى تحضر الدلائل، فوجب الحمل على ما ذكر، وذلك كقولك لجاحد حقية الإسلام: دين الإسلام حق إيماء إلى أن جحوده قد تناهت الأدلة المزيلة له فى الوضوح والظهور على أن الجحود معها كالعدم، فلا يلتفت إلى مقتضاه، وفى ذلك من توهين حجة الخصم ما لا يخفى، وذلك من لطائف هذا التنزيل وقوله (نحو {لا رَيْبَ فِيهِ})⁣(⁣١) تنظير لتنزيل الشيء منزلة عدمه فينفى، كما نزل الإنكار منزلة عدمه فنفى مقتضاه وهو التأكيد، وإنما قلنا تنظير لا تمثيل لوجهين.

  أحدهما: أن ظاهره بدون التنزيل للريب منزلة عدمه فينفى لا يصح لوقوع الريب من الكفرة، وإنما يكون مثالا إن كان المخاطب منكرا لسلب الريب ليحق تأكيد سلب الريب، ثم يترك لأن ثم دلائل على سلب الريب وهذا لا يصح لوجوده من الكفرة كما ذكرنا فكيف يكون مما قامت عليه الأدلة الواضحة؟!

  والآخر: على تقدير تأويله بما يصحح جعله مثله لتنزيل المنكر منزلة غيره فترك تأكيده بأن يكون المعنى «لا ريب فيه» أى: ليس مما ينبغى أن يرتاب فيه، وهذا الحكم وهو كونه لا ينبغى أن يرتاب فيه مما ينكره كثير من الناس، فلوجود ما يدل على أنه لا ينبغى أن يرتاب فيه لكونه ليس محلا للريب، نزل إنكار المنكر كعدمه، فألقى إليه الكلام غير مؤكد ينافيه أو يعكر عليه قوله بعد، وهكذا اعتبارات النفى فإنه يدل على أنه لم يمثل فيما تقدم بالنفى بل نظر به، وأيضا لا نسلم أن لا ريب فيه لا تأكيد فيه؛ لأن بناء «لا» مع اسمها يفيد تأكيد النفى.

  وقد يجاب عن هذا بأن الذى فيه تحقق عموم المنفى لا تأكيد وقوع نفس النفى، ويؤيد ما قيل أن لا ريب فيه بمنزلة التأكيد اللفظى لذلك الكتاب فكأنه قيل ذلك الكتاب ذلك الكتاب، وعليه يكون تابعا لما قبله كسائر التأكيد اللفظى فيترك فيه التأكيد كما قبله بالوجه الذى ترك عما قبله؛ لأن المراد كما فى كونه ليس محلا للريب لظهور أمره، وهذا معنى لا ريب فيه، ولكن قد يقال فى هذا: إن الكمال فى نفى محلية


(١) البقرة: ٢.