مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

الحقيقة والمجاز العقليان

صفحة 169 - الجزء 1

  التركيب قبل التجوز ولا فى حصول محسنات التشبيه فى أصل المعنى، وإذا لم يراع ذلك لم يقدر نقل لفظ المسند إليه لغير معناه فلا يكون استعارة فتأمل لئلا يكون هذا مذهب السكاكى المردود فيما يأتى إن شاء الله تعالى، وقوله: غير ما هو له صادق بكونه غيرا فى الواقع فقط وغيرا عند المتكلم فيما يظهر من حاله، فأخرج الأول بقوله: (بتأول) والتأول: التفعل من آل إلى كذا: رجع إليه، ومعناه: تطلب المآل: وهو الموضع الذى يؤول إليه الكلام من حقيقته الأصلية، وذلك التطلب يكون من جهة العقل، ومعلوم أن تطلب العقل لشيء إنما يكون بالدليل والأمارة، وذلك بنصب القرينة على أن المراد غير الظاهر، فعاد حاصل معنى التأول إلى الحمل بنصب القرينة على خلاف الظاهر، وينبغى أن يتنبه لكون التأول الذى هو التطلب المذكور يحتمل أن يكون من المتكلم، فيكون معنى التطلب فى حقه: أنه تطلب لمجازه قبل النطق به ما يتحقق به ذلك المجاز من شرطه، وهو العلاقة والقرينة، إذ المجاز بلا شرطه باطل، وعلى هذا فمن لم يذكر العلاقة فللاستغناء عنها بالقرينة وعليه تكون «من» فى قولنا: من الحقيقة ابتدائية، ويكون معنى التطلب لمصحح المجاز ودليله لا طلب الحقيقة بالدليل، ويحتمل أن يكون مع السامع فيكون معناه: أنه أسند إلى الغير مع كون المسند مصاحبا لكونه يتطلب السامع فيه حقيقة لظهور القرينة الدالة على خلافها وهو الموافق لما ذكرنا أولا، وتفسير الغير بما يعم الغير فى الواقع فقط، والغير في ظاهر الحال فقط، والغير في الاعتقاد فقط، والغير في الواقع، وظاهر الحال أو الاعتقاد، والغير في الاعتقاد والظاهر، وذلك بأن يراد بذلك مطلق الغير، فيكون ذكر الغير أولا كفصل الجنس، ويكون ذكره بتأويل الذى يعين الغير فى ظاهر الحال كفصل النوع يرد القول بأنه إن أراد الغير فى الواقع خرج قول الجاهل: أنبت الربيع البقل عند قصده الإسناد إلى السبب فى زعمه، وإن أراد الغير فى الظاهر لم يحتج إلى قوله: بتأول، وذلك لأن الغير إذا فسر بالقدر المشترك بين الغيرين وغيرهما أى: لا دليل على التعيين احتيج إلى بيان المراد من ذلك بخاصته، على أن هذا الاعتراض فيه التخصص بالواقع، وظاهر الحال بلا مخصص، وقد يجاب بأن المخصص أنا إن قطعنا النظر عن القرينة فالمتبادر الغير فى الواقع، وإن نظر إلى القرينة فهم منها