مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

إنما هي إقبال وإدبار

صفحة 173 - الجزء 1

  القرينة، وقول الجاهل لا قرينة فيه لاعتقاده ظاهره، ومتى أظهر القرينة على إرادة خلاف الظاهر عاد مجازا وليس موصوفا حينئذ بأنه قول الجاهل؛ لأنه فى الظاهر قول المؤمن، وكما خرج قول الجاهل يخرج كل ما يصدق عليه أنه لغير من هو له لكن لا بحسب القرينة بل بحسب الواقع والاعتقاد معا، كالأقوال الكاذبة التى مقصود صاحبها ترويج ظاهرها بحسب الاعتقاد دون ما فى نفس الأمر، حيث لا ينصب القرينة كقول المعتزلى لمن لا يعلم حاله وهو يخفها عنه إن الله خالق الأفعال كلها، وإنما خص المصنف المخرج الأول وهو ما يطابق الاعتقاد دون الواقع بلا قرينة لأن السكاكى ذكر أن الخارج بالتأول الأقوال الكاذبة، فنبه المصنف على إخراج هذا القسم أيضا، أعنى قول الجاهل، حيث لا ينصب القرينة ولم ينبه على خروج ما يطابق الواقع دون الاعتقاد، كما تقدم فى قول المعتزلى المخفى لحاله ولا على خروج الأقوال الكاذبة لتسليم الثانى من هذين القسمين بالصراحة، والأول منهما بطريق الأحرى والظهور، ولهذا أيضا نبه على الإخراج بقيد التعريف مع أنه ليس من دأبه.

  (ولهذا) أى ولأجل أن ما لا يطابق الواقع لا يكون مجازا إلا بالتأول الحاصل بنصب القرينة كما مر فى قول الجاهل الغير الناصب للقرينة (لم يحمل نحو قوله: أشاب الصغير)⁣(⁣١) أى: أوجد الشيب فى الصغير (وأفنى الكبير) أى: أوجد الفناء فى الكبير (كر الغداة) فاعل أشاب أو أفنى، وكر الغداة: رجوعها بعد ذهابها بالأمس (ومر العشى): معطوف على الفاعل ومر العشى: ذهابها بعد حضورها وهذا عبارة عن تعاقب الأزمان (على المجاز) أى: لم يحمل إسناد أشاب وأفنى إلى كر الغداة ومر العشى على أنه مجاز، لاحتمال أن قائله دهرى يعتقد تأثير الزمان، فيكون الإسناد عنده حقيقيّا كما تقدم فى قول الجاهل (ما لم يعلم أو يظن أن قائله لم يعتقد ظاهره) أى: لا يحمل على المجاز مادام لم يعلم أو يظن أن قائله مؤمن لا يعتقد الظاهر ولو أسقط لم يعلم كان أخصر؛ لأن


(١) البيت للصلتان العبدى في شرح الحماسة للمرزوقي ص ١٢٠٩، والتبيان للطيي ص ١١٧ بتحقيق د / عبد الحميد هنداوى، والإيضاح ص ٢٧، والتلخيص ص ١٢، ونهاية الإيجاز ص ١٧٠، والمصباح ١٤٤، وأسرار البلاغة ص ٢٤٤.