مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

أقسام المجاز العقلي

صفحة 178 - الجزء 1

  به لتتقون أى: كيف تتقون يوما يجعل الولدان شيبا وهو يوم القيامة إن كفرتم؟ أى: إن بقيتم على الكفر؛ لأن الخطاب للكافرين، ويصح أن يكون معمولا لكفرتم، فيكون المعنى: فكيف تتقون عذاب الله الذى أمرتم باتقائه إن كفرتم يوما يجعل الولدان شيبا، وهو المشتمل على ذلك العذاب على أن يكون يوما منصوبا على إسقاط الخافض وهو الباء، أو ينصب على المفعولية بتضمين كفرتم أنكرتم وجحدتم أى: دمتم على جحدكم وإنكاركم، وجعل الولدان شيبا: كناية عن تفاقم أهوال يوم القيامة؛ لأن الشيب مما يتسارع ويلزم وجوده عند تفاقم الأحزان والهموم فيصح الانتقال من الشيب إلى التفاقم بالقرائن، ويحتمل أن يكون كناية عن طوله طولا يبلغ فيه الصبيان أوان الشيب والشيخوخة، ولكن على هذا ربما يتسلى بهذا النص لاقتضائه قرب طوله بالنسبة إلى التصريح بأن مقداره خمسون ألف سنة وكما فى قوله تعالى {وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها}⁣(⁣١) فإن فيه إسناد الإخراج إلى الأرض مجازا، والإخراج فى الحقيقة لله تعالى من باب الإسناد إلى الملابس الذى هو المكان، فإن الأرض - ولو كانت لا يحسن هنا أن يقال أخرج فيها - يعتبر أن الإخراج منها قد ظهر متعلقه فيها، فهى كالظرف بهذا الاعتبار والأثقال: دفائن الأرض وخزائنها ودخل فى ذلك موتاها وكنوزها، ثم عطف على قوله: «كثير» فقال (وغير مختص بالخبر) أى: وهو كثير وغير مختص بالخبر، ونبه على هذا لئلا يتوهم من تسميته مجازا فى الإثبات فى عبارة غير المصنف كما تقدم.

  ومن سوقه فى باب الإسناد الخبرى أنه مختص بالخبر فبين أنه لا يختص بالخبر (بل يجرى فى الإنشاء) أيضا (نحو) قوله تعالى حكاية عن أمر فرعون ({يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً})⁣(⁣٢) فإن فيه إسناد الأمر بالبناء إلى هامان مجازا لكونه سببا آمرا، والأمر فى الحقيقة للعملة؛ لأن المأمور فى القصد هو الذى يصدر منه المأمور به ومن وجوده فى الإنشاء وجود الاستفهام عن أمر الصلاة فى قوله تعالى {أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ}⁣(⁣٣) فإن


(١) الزلزلة: ٢.

(٢) غافر: ٣٦.

(٣) هود: ٨٧.