حذف المسند إليه
  التخييل المذكور إن كان وجه ارتكاب الحذف لأجله ما فيه من الظرافة فى إيهام أن ثم شيئا مستحسنا وهو العدول إلى أقوى الدليلين مع أنه ليس كذلك فى نفس الأمر فغايته أن يكون من المحسنات البديعية المعنوية؛ إذ ليس فى ذلك تطبيق الكلام اللفظى لمقتضى الحال الذى هو البلاغة، وإن كان الوجه أن ذلك التخييل طابق به الكلام مقتضى الحال فلم يظهر بعد، وقد يجاب بأن من مقتضيات الأحوال تأكيد تقرر المحكوم عليه مع الاختصار والعدول إلى الأقوى المخيل به، مما يحقق ذلك فإذا تعلق الغرض بهذا التقرير لاقتضاء المقام إياه توصل إليه بتخييل العدول، وفيه تكلف وتمحل أو يقال: مقام إفهام أجزاء الكلام فى الجملة يناسبه إيقاع ذلك الإفهام بالأقوى كيف أمكن ولو تخييلا تأمله.
  ثم مثل بما يصح أن يكون الحذف للاحتراز أو التخييل المذكورين فقال:
  (كقوله:
  قال كيف أنت قلت عليل ... سهر دائم وحزن طويل(١)
  لم يقل: أنا عليل للاحتراز أو التخييل المقررين أو لهما معا؛ لأن لكل امرئ فى باب البلاغة ما نوى (أو اختبار تنبه السامع عند القرينة) هل يتنبه أم لا يتنبه إلا بالصراحة كما إذا حضر رجلان أحدهما تقدمت له صحبة دون صاحبه، فتقول للمخاطب: غادر تريد الصاحب غادر اختبار للسامع هل يتنبه أن المسند إليه هو الصاحب بقرينة نسبة الغدر إذ لا يناسب إلا الصاحب (أو) لاختبار (مقدار تنبهه) ومبلغ ذكائه هل يتنبه بالقرائن الخفية أو لا؟ كما إذا حضر شخصان أحدهما أقدم صحبة من الآخر فتقول: أحسن للإحسان والله، وتريد أقدمهما وهو زيد اختبارا لذكاء المخاطب هل يتنبه لهذا المحذوف بهذه القرينة التى معها خفاء وهى: أن أهل الإحسان ذو الصداقة القديمة دون حادثها أم لا أو من مثل بهذين الوجهين إما للصعوبة أو لادعاء الظهور وما ذكرناه كاف فى التصوير فتأمل.
(١) البيت من الخفيف، وهو بلا نسبة في التبيان للطيي ١/ ١٤٦، ودلائل الإعجاز ص ٢٣٨، والإيضاح ص ٣٨.