مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

حذف المسند إليه

صفحة 192 - الجزء 1

  وهو كالروى فى الشعر؛ لأن ذكره يفسده، وأمثلة ما ذكر كثيرة وما أشبه ذلك كالإخفاء عن غير المقصود سماعه من الحاضرين، فتقول: جاء وتريد زيدا لقيام القرينة عند المقصود سماعه دون غيره كما قيل إن إنسانا أرسل رسولا ليأتى بالمرسل إليه فقال له: اذهب إليه فإن وجدته فلا تقل له وإن لم تجده فقل له، ثم ذهب الرسول فعاد ولم يأت به فقال: يا سيدى ذهبت إليه فلم أجده فقلت له: ثم جاء فلم يجيء، ومعنى الكلام الأول: إن وجدت الرقيب فلا تقل للمبعوث إليه، وإن لم تجد الرقيب فقل للمبعوث إليه، ومعنى الثانى: ذهبت إلى المبعوث له فلم أجد الرقيب فقلت للمرسل إليه، ثم جاء الرقيب فلم يجئ المرسل إليه.

  وهذا الكلام ولو كان من غير هذا الباب لكن فيه من الجملة الإخفاء عن غير المقصود سماعه بحسن النظر له ليفهم المراد، وكاتباع الاستعمال على تركه لكونه مثلا لا يغير كقولهم: رمية من غير رام يضرب مثلا لمن صدر منه ما ليس أهلا للصدور منه، وكترك ذكره فى نظائره مثل ما فيه الرفع على المدح كقولنا: الحمد لله أهل الحمد، أى: هو أهل الحمد أو الرفع على الذم كقولنا: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بالرفع أى هو الرجيم، أو الرفع على الترحم كقولنا: اللهم ارحم عبدك المسكين بالرفع أى: هو المسكين، فالرفع على هذه الأوجه يوجب الحذف فإن قلت: هذا وظيفة نحوى لا بيانى إذ ليس فيما ذكر مطابقة لمقتضى الحال بل غاية ما هنا أن الحذف ملتزم لاقتضاء العربية ذلك. قلنا: التنبه لكون هذا الكلام لا يعدل فيه عن الحذف؛ لأن فيه الخروج عن حكمه فيما يوضع فيه من المقامات، حتى إنه لو لا ذلك لرجع إلى أصل الذكر هو زائد على مطلق وجوب الحذف فى العربية فيما ذكر، وبه طابق الكلام مقتضى حال استعماله، وهذا وظيفة بيانى.

  والفرق بين اتباع الاستعمال واتباع الترك فى النظائر أن الأول يجوز أن يرد على خلاف القياس ولا يتصور فيه من يتكلم بغيره، ويكون قضية عينية كمثال مخصوص، والثانى لا يكون إلا مقيسا وجود متكلم فيه بغير الحذف والله أعلم ثم أشار إلى نكت الذكر فقال: