مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

تعريف المسند إليه بالإشارة وأغراضه

صفحة 210 - الجزء 1

  (أو تحقيره) بالقرب أى: يعرف المسند إليه باسم الإشارة الدال على القريب، ليفيد تحقير معنى المسند إليه بسبب القرب؛ لأن لفظ القرب يفيد ذلك كما يقال هذا أمر قريب أى: هين التناول سهل الامتهان وكذلك اسم الإشارة الدال على القرب (نحو) قوله تعالى - حكاية عن الكفرة - ({أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ}⁣(⁣١)) فمقصودهم باسم الإشارة المفهم للقرب - لعنة الله عليهم - تحقير المشار إليه، كأنهم يقولون أهذا الحقير يذكر آلهتكم المستعظمة بنفى إلهيتها وتحقير شأنها، ولا غرابة فى انقلاب الحقائق عند الكافر، لأنه أحقر من أن يعظم من الإقرار بعظمته غنم وإدراك أن اتباع ما يقول حتم ختم الله لنا بالحسنى، وأوجب لنا بحبه المقر الأسنى (أو تعظيمه بالبعد) أى: يعرف المسند إليه باسم الإشارة؛ لقصد تعظيم معناه بسبب دلالته على البعد فينزل بعد درجته وشرف منزلته منزلة بعد المسافة فيستعمل له اسم الإشارة الدال فى الأصل على البعد فإن لفظ البعد بنفسه يفيد التعظيم، كما يقال هذا أمر بعيد عن فلان أى: عزيز التناول بعيد الإدراك لا مثال فلان، لشرفه، ورفعته، فكذا اسم الإشارة الدال فى الأصل على البعد الحسى وذلك (نحو) قوله تعالى ({الم ١ ذلِكَ الْكِتابُ})⁣(⁣٢) أى: ذلك الرفيع المنزلة فى البلاغة العزيز المرتبة فى علومه وأسلوبه هو الكتاب الكامل الذى يستحق أن يسمى كتابا حتى كأنه لا كتاب سواه وهذا فى تعظيم المشار إليه وقد يكون لتعظيم المشير كقول الأمير لبعض الحاضرين من غير قصد حقارته ذلك قال كذا تعظيما لشأنه عن ذكر الألقاب الدالة على التكافؤ فى الخطاب، والتساوى فى المحاورات والجواب (أو تحقيره) بالبعد كما أن لفظ البعد يفيد ذلك، فيقال هذا بعيد عن هذه الحضرة، لتنزهها عن حقارته وذلك (نحو) قوله (ذلك اللعين فعل كذا) أى: ذلك الحقير البعيد لحقارته عن عز الخطاب والحضرة فعل كذا ثم إنه كثيرا يشار بلفظ ذلك إلى الغائب عينا كان، كقولك: جاءنى رجل فقال لى ذلك الرجل كذا؛ تحكى أمره بعد غيبته، أو معنى كقولك: قال لى إنسان كذا فسرنى ذلك


(١) الأنبياء: ٣٦.

(٢) البقرة: ١، ٢.