تقديم المسند إليه وأغراض ذلك
  (وإما لتعجيل المسرة أو المساءة) أى: يحصل الاهتمام بتقديم المسند إليه لما فى تقديمه من تعجيل المسرة، أو تعجيل المساءة وذلك (ل) ما فيه من (التفاؤل) فيفيد تقديمه تعجيل المسرة للسامع، (أو) لما فيه من (التطير) فيفيد تقديمه تعجيل المساءة، ولأجل هاتين الإفادتين كان لذكر المسند إليه المفيد لإحداهما مزيد اهتمام، فالأول وهو ما فيه تعجيل المسرة للسامع؛ لأجل التفاؤل (نحو: سعد فى دارك) ولا يخفى ما فى لفظ سعد من التفاؤل، (و) الثانى وهو ما فيه تعجيل المساءة للتطير نحو: (السفاح فى دار صديقك) ولا يخفى أيضا ما فى لفظ السفاح الدال على سفح الدماء من التطير لإشعاره بالقتل والإهلاك (وإما لإيهام أنه لا يزول عن الخاطر) أى يحصل الاهتمام بتقديم المسند إليه؛ لما فى التقديم من إيهام أنه لا يزول عن الخاطر حتى إن الذهن إذا التفت لمخبر عنه لم يجد أولى منه فهو بالنسبة إلى الخاطر كاللازم بالنسبة إلى الملزوم، وذلك لكونه مطلوبا والمطلوب لا يفارق تصوره الذهن كقولك: العدو أولى ما يسر بقتله أو لا تغفل عن أمره، وإنما قال: لإيهام لأن عدم زواله عن الخاطر أمر غير ممكن عادة، وإنما الحاصل إيهام عدم الزوال، ويدل على عدم الزوال على وجه الإيهام كون المذكور مطلوبا مرغوبا لأن المرغوب من شأنه لا يزول عن التصور (أو) إيهام (أنه يستلذ به) لكونه محبوبا كقولك ليلى أشهى ذكرا من كل كما، ولهذا يكرر اسم الحبيب للالتذاذ بذكره، ويخبر عنه باللذاذة فيقال: ليلى ألذ فى ذكرها من العسل، وليس هذا تكرار مع ما قبله إذ ليس كل مطلوب محبوبا، (وإما لنحو ذلك) أى يحصل الاهتمام بذكر المسند إليه لنحو ذلك فيجب تقديمه كتعجيل إظهار تعظيمه نحو: رجل فاضل عندنا أو تحقيره كرجل جاهل عندك، وإنما قلنا: تعجيل؛ لأن إظهار التعظيم والتحقير حاصل بالتأخير أيضا، والمختص بالتقديم تعجيل الإظهار أو شبه ذلك كالاحتراز عن أن يحصل فى قلبه تخيل غير المحكوم عليه كقولنا: زيد قائم إذ لو قيل: قائم زيد فربما تخيل من أول وهلة أن المراد بالقائم غير زيد، والغرض نفى ذلك التخيل؛ لأنه مظنة الغفلة عن تحقيق المراد قال الشيخ (عبد القاهر) فى كتابه دلائل الإعجاز.