رأى العلامة عبد القاهر الجرجاني
  رأى جميع الأفراد ويثبت اختصاص المسند إليه بالسلب؛ لأن الفعل فى هذا الباب يسلب كما أثبته المخاطب إن عاما فعام وإن خاصا فخاص، لكن هذه المادة غير صحيحة فى نفسها، وهو أن يكون ثم من رأى كل أحد فاستعمال هذا اللفظ لنفيها عن بعض الناس وإثباتها للبعض فاسد، ولو قيل: ما أنا رأيت رجلا لم يصح أيضا لاقتضائه أن ثم من رأى كل رجل ولو مثل المصنف بقولنا: ما أنا رأيت كل أحد كان أصرح؛ لأن الصيغة الأولى فى إفادتها هذا المعنى نوع خفاء حتى وقع فيها الغلط لكثير من الناس، وذلك؛ لأنهم سووا بين ما تقدم فيه المسند إليه على حرف السلب وما تأخر وجعلوا قول القائل: أنا ما رأيت أحدا كقوله: ما أنا رأيت أحدا وليس كذلك بل الأول خطاب مع من اعتقد أن غيرك فقط ما رأى أحدا وقصدت الرد عليه باختصاصك بأنك لم تر ولو واحدا، ويتحقق ذلك بأن الغير دونك رأى ولو واحدا والثانى خطاب مع من اعتقد أنك فقط رأيت كل أحد فسلمت له أصل الفعل وخطأته فى الفاعل، وبينت أنه غيرك بمعنى أن الذى رأى كل أحد غيرك هذا فى قصر القلب فيهما، ومثله يجيء فى قصر الأفراد فيهما، ووجه إفادة ما أنا رأيت أحدا ما ذكر أنه فى قوة: ما أنا رأيت زيدا ولا عمرا ولا خالدا ولا بكرا إلى آخرها كما تقدم، وبهذا يعلم أن صيغة النفى لا يجب أن يتسلط النفى فيها على صيغة الإثبات، وقد تبين الفرق بين العبارتين، وأن مفاد الأولى وهى ما تأخر فيها السلب الاختصاص بالسلب العام، ويكفى فى ذلك الاختصاص الثبوت فى الجملة للغير، وأن مفاد الثانية الاختصاص بالسلب المتعلق بالثبوت العام أو الخاص ولا يكفى فيه إلا بثبوت ذلك العام بعمومه أو ذلك الخاص بخصوصه لغير المختص بالنفى والشاهد على الفرق استعمال البلغاء هكذا حرر هذا المحل، والحق أن إفادة الاختصاص بالسلب المتعلق بالإثبات العام إنما يتبادر بحكاية صيغة الإثبات كأن يقال: ما أنا رأيت كل أحد وأما ما رأيت أحدا فإفادته ما ذكر بعيد عن الطبع ولو تؤول بما ذكر؛ لأن القضية فيه من باب الكلية، ويكفى فى نقضها الموجب للاختصاص بالسلب ثبوت جزئية بأن يرى الغير البعض، نعم لو تعلقت الرؤية بالكل المجموعى لم ينقض نفيها المختص إلا ثبوت المجموع لصيرورته كالفرد الواحد فتأمل.