مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

رأى العلامة عبد القاهر الجرجاني

صفحة 250 - الجزء 1

  (ولا) صح أيضا: (ما أنا ضربت إلا زيدا) لأن الاستثناء يقتضى أن قبله مقدرا عاما فيكون معنى الكلام: ما أنا رأيت أحدا إلا زيدا وهو فى قوة: ما أنا رأيت عمرا ولا خالدا إلى آخر الأفراد ما سوى زيد، وقد تقدم أن النفى فى هذا الباب يتسلط على المثبت المسلم للمخاطب ثبوته للغير، وإنما خطأ فى ثبوته للمسند إليه على الوجه الذى أثبته من عموم وخصوص، فالمثبت على هذا التقدير هو: رأيت كل أحد إلا زيدا وعليه تسلط النفى، وهذا المعنى فاسد فى نفسه على وجه الحصر؛ لأن المعنى حينئذ أنا اختصصت بسلب الرؤية المتعلقة بكل أحد إلا زيدا، وغيرى اختص بثبوت رؤية كل أحد إلا زيدا لا كما زعمت من أنها لى؛ لأن الفعل هنا مسلم عموما أو خصوصا، وإنما نفى الفاعل عن الاتصاف به فقط ولهذا لو قيل: ما أنا قرأت سورة إلا الفاتحة صح؛ لأن غايته أن ثم من قرأ كل سورة إلا الفاتحة، وهو صحيح فليتأمل.

  (وألا) يلى المسند إليه المقدم على الفعل حرف نفى وهو صادق بأن لا يكون فى الكلام حرف نفى أصلا أو يكون ولكنه متأخر عن المسند إليه (فقد يأتى) تقديم المسند إليه على الفعل الذى هو المسند (للتخصيص) أى لتخصيص مضمون الفعل بالمسند إليه؛ (ردا على من زعم انفراد غيره) أى غير المسند إليه (به) أى بمضمون ذلك الخبر الفعلى (أو) ردا على من زعم (مشاركته) أى مشاركة الغير للمسند إليه (فيه) أى فى مضمون الخبر الفعلى، ويسمى الرد على الأول بذلك التخصيص قصر قلب كما تقدم وسيأتى أيضا - إن شاء الله تعالى - ويسمى الرد على الثانى به قصر أفراد، وذلك (نحو: أنا سعيت فى حاجتك) بمعنى أنا اختصصت بالسعى فى حاجتك فإن كان خطابا مع من زعم أن الغير هو الساعى دونك كان قصر قلب وإن كان خطابا مع من زعم أن الغير مشارك لك فى السعى كان قصر أفراد (ويؤكد على) التقدير (الأول) وهو أن يكون الكلام للرد على من زعم انفراد الغير بالسعى دونك (بنحو: لا غيرى)، ولا سواى ولا زيد ولا عمرو، ولا من تزعم ونحو ذلك؛ لأنه دال بالمطابقة على نفى الحكم عن الغير الذى جعل مستقلا به دونك، والدلالة على نفى المعتقد بالمطابقة أنفى للشبهة وأدفع للظن الفاسد المخالج للقلب، (و) يؤكد (على) التقدير (الثانى) وهو أن يكون