مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

موافقة السكاكي لرأى عبد القاهر

صفحة 271 - الجزء 1

  حكم السلب فيها (لا) سالبة (مهملة) كما سماها ذلك القائل، وذلك؛ لأن المهملة فى الاصطلاح ما تحتمل التعميم، والتبعيض، والمحقق فيها التبعيض، وعليها تحمل فى المعقول، ولهذا يقال المهملة فى قوة الجزئية، وهذا القائل بين بما ذكر من ورود موضوعها فى سياق النفى عمومها، ومتى وجد ما أفاد العموم، ولو قرينة حال كان ذلك المفيد سور العموم إذ لا يختص بلفظ مخصوص اتفاقا فلا ينفعه الجواب بأن تسميتها مهملة باعتبار عدم وجود السور المخصوص فيها إذ لا يختص السور بشيء، بل كل ما أفاده العموم، ولو كان غير مفيد دائما، فهو سور، وأنت خبير بأن هذا بحث فى التسمية، ويجوز التجوز فيه كما أشرنا إليه فيما تقدم، فهذا البحث لفظى لا معنوى فليتأمل.

  ثم أشار إلى كلام عبد القاهر فى تقرير مفاد كل مع النفى وهو يشمل ما تقدم ويتضمن صحته حكما ولو بحث تعليلا فقال (عبد القاهر) أى: قال عبد القاهر (إن كانت) لفظة (كل داخلة) أى: موجودة (فى حيز النفى) وذلك (بأن أخرت) لفظا أو حكما (عن أداته) أى: أداة النفى وتشمل أداة النفى ما يصح عملها فى كل كما الحجازية، وما لا يصح كلم وإن وسواء حينئذ كانت مبتدأ وخبرها فعل (نحو) قوله:

  (ما كل ما يتمنى المرء يدركه) ... تجرى الرياح بما لا تشته السفن⁣(⁣١)

  أو كانت مبتدأ وخبرها اسم، كقوله ما كل ما يتمنى المرء حاصلا بالرفع والنصب على إعمال ما وإهمالها فإن قيل الشطر الثانى فى البيت دليل على ما ادعاه فى الأول، فإن كون أرباب السفن يشتهون جريان الريح لسمتهم مع السلامة معلوم، وربما جاءت الرياح مخالفة لشهوتهم بجريانها لما فيه عطبهم، أو مشقتهم، فلم يدركوا جميع ما يشتهون، ولكن ما معنى قوله تجرى الرياح بما لا يشتهون فإن المقدر أن جريانها مخالف لشهوتهم؛ لأن جريانها يأتى بشيء مخالف لشهوتهم قلت: المراد أنها تجرى مع الحالة التى تخالف شهوتهم، وهى كونها ذاهبة بهم إلى عكس المراد فليفهم.


(١) البيت للمتنبي، انظر دلائل الإعجاز ٢٨٤ وشرح المرشدى على عقود الجمان ١/ ٨٨.