مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

إخراج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر

صفحة 297 - الجزء 1

  وخاصته، فيتعين به الوقت للحج، والصيام، ووقت الحرث والآجال، وغير ذلك ولم يجابوا بالسبب الذى هو أن نور القمر لما كان مستفادا من نور الشمس فنصف دائرته الموازية لمركز العالم إذا سامت القمر الشمس لم يظهر فى ذلك النصف شيء من نور الشمس وإذا انحرف القمر عن الشمس قابل شيء من طرف نصف الدائرة كالقوس نور الشمس، فيبدو فيه نورها، ولذلك يرى دقيقا منعطفا كالقوس ثم كلما ازداد البعد ازدادت المقابلة، فيعظم النور حتى يقابلها جميع نصف الدائرة، فيرى النور فيها جميعا ثم إذا أخذ القمر فى القرب من الشمس فى سيره فى فلك البروج كان الانتقاص بمقدار الزيادة حتى يسامتها، فيضمحل جميعا ثم لا يزال كذلك تدبير الحكيم الخبير، وإنما لم يجابوا بذلك لعدم تعلق الغرض به مع أن تعلم الإحاطة به فيه تكلف، إذ هو من أسرار علم الهيئة والاطلاع عليه بسهولة وهو الاطلاع بالوحى ليس إلا للأنبياء، وليسوا من أهل النبوة، فعدل إلى الجواب بالغرض تنبيها على أن الأولى بحالهم أن يكون عندهم هذا الغرض، وهذه الفائدة لا أن يسألوا عن السبب فى نفس الأمر، وهذا بناء على أن المسئول عنه هو السبب الموجب للوقوع، وهو السبب الفاعلى، ولو كان الفعل هنا عاديا، وأما إن حمل على أن المسئول عنه إنما هو السبب الغرضى، والفائدة لم يكن الكلام من تلقى السائل بغير ما يتطلب، وهو ظاهر فليفهم.

  ثم مثل للثانى بقوله (وكقوله تعالى {يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ})⁣(⁣١) فهذا يدل على أن المسئول عنه هو نفس المنفق، والسؤال يحتمل أن يكون عن مقدار المنفق، أو عن جنسه، أو عن كليهما، فكان المطابق على هذا أن يقال أنفقوا كذا، وكذا من كذا، وكذا ولما كان مما لا يخفى أن كل خير ينفق منه، وأن كل ما ينفق منه مقبول قل أو كثر أجيبوا ببيان المصرف فى قوله تعالى ({قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ})⁣(⁣٢) تنبيها على أن الأهم هو السؤال عن المصرف؛ لأن النفقة إذا أخطأت محلها لم يعتد بها كذا ذكروا، ولكن يرد ههنا أن يقال


(١) البقرة: ٢١٥.

(٢) البقرة: ٢١٥.