مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

إخراج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر

صفحة 298 - الجزء 1

  إن كان السؤال عن صدقة التطوع، فليس لها مصرف إذا أخطأه لم تقبل؛ لأن فى كل ذى كبد رطبة أجرا، فكيف يقال هذا بيان مصرفها اللهم إلا أن يراد مصرفها على وجه الكمال، وإن كان عن صدقة الفرض فجنس المنفق منه، ومقدار المنفق أكيد فيهما إذ لا يجزى أقل الواجب منهما كما لا تجزى من غير جنس ما وجبت فيه مع أن مصارفها لا تختص بما ذكر، والوالدان مما ذكرنا قد لا تجزى فيهما لوجوب النفقة عليهما.

  نعم مصارف الفرض أهم من مقدار المنفق؛ لأن كل ما أنفق مما وجبت منه أجزأ عن قدره، والباقى متعلق بالذمة فتأمل، وهذا كله إذا كان السؤال عما ذكر فقط، وأما إن كان السؤال عن المنفق، وعن مصرفه معا كما قيل إن عمرو بن الجموح سأل ماذا ينفق وأين المنفق فيه؟ فنزلت الآية، فليست من تلقى السائل بغير ما يتطلب من الجواب عن البعض صراحة، وهو المصرف وعن البعض الآخر ضمنا؛ لأن فى ذكر الخير إشارة إلى أن كل مال نافع ينفق منه، وبهذا يعلم أن التلقى على الاحتمال الأول باعتبار المصرح به، وأن التضمنى مطابق فليفهم.

  (ومنه) أى: ومن خلاف مقتضى الظاهر (التعبير عن) المعنى (المستقبل بلفظ الماضى تنبيها على تحقق وقوعه) لأن لفظ المضى مشعر بتحقق الوقوع وذلك كقوله تعالى ({وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ})⁣(⁣١) فالفزع يقع فى المستقبل، وعبر عنه بصيغة المضى كما رأيت تنبيها على التحقق، والأصل، فيفزع من فى السموات، ومن فى الأرض، وكذا عكس هذا، وهو أن يعبر عن المضى بلفظ المضارع إحضارا لصورته، أو إشارة لتجدده شيئا فشيئا، كقوله تعالى: {وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً}⁣(⁣٢) وقوله تعالى: {وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ}⁣(⁣٣) أى: ما تلت ثم التعبير عن المستقبل بلفظ الماضى يحتمل أن يكون من المجاز المرسل، والعلاقة


(١) النمل: ٨٧.

(٢) فاطر: ٩.

(٣) البقرة: ١٠٢.