مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

إخراج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر

صفحة 299 - الجزء 1

  ما بينهما من التضاد، والضد أقرب خطورا بالبال فبينهما شبه المجاورة لتقارنها غالبا فى الخيال، وعليه فتنتفى المبالغة المقصودة، وهى الإشعار بتحقق الوقوع وأن هذا المستقبل كالماضى؛ لأن المجاز المرسل ليس فيه إلا أبلغية كون التعبير فيه لما كانت الدلالة فيه انتقالية صار كدعوى الشيء بدليله على ما سيأتى، ويحتمل أن يكون من مجاز التشبيه، ووجه الشبه تحقق الوقوع فى كل منهما، وهو فى المضى أظهر لبروزه إلى الوجود، فيفيد المبالغة السابقة لكن المعهود فى الفعل أن استعارته تبعية، فيكون التشبيه فى المصدر، وهو فى الماضى والمستقبل واحد، فيتحد المشبه والمشبه به، ويمكن أن يجاب بأن المصدرين الواقع التشبيه فيهما مصدر مقيد بالوقوع فى المضى، ومصدر مقيد بالوقوع فى المستقبل وتكون التبعية فى مجرد التعبير بالفعل، فيكون الزمان، والحصول داخلين فى التشبيه، أو يدعى أن الاستعارة التحقيقية تجرى فى الأفعال، ولا حجر فى الاصطلاح، فتأمل فى هذا المقام (ومثله) أى: ومثل التعبير عن المستقبل بلفظ المضى فى كونه تعبيرا عن المستقبل بلفظ غيره التعبير باسم الفاعل عن المستقبل، وذلك كقوله تعالى ({وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ})⁣(⁣١) فقد عبر باسم الفاعل، وهو لفظ واقع مكان يقع؛ لأن وقوع الدين أى: الجزاء استقبالى إن أريد الجزاء الأخروى وإن أريد الدنيوى أمكن كون التعبير على أصله (ونحوه) أى: ونحو ما تقدم فى كونه تعبيرا عن المستقبل بلفظ غيره التعبير عن المستقبل بلفظ اسم المفعول كقوله تعالى {ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ})⁣(⁣٢) فقد عبر بمجموع مكان يجمع؛ لأن الجمع استقبالى، ولما كان الأصل أى: الحقيقة فى اسم الفاعل، واسم المفعول إطلاقهما على ما تحقق فيه الحدث إما حالا اتفاقا، وإما ماضيا على المشهور وإطلاقهما على ما لم يتحقق فيه الحدث مجاز كان التعبير بهما عن الحدث المستقبل خلاف مقتضى الظاهر؛ لأنهما مجاز فيه، ولو كانا يستعملان فيه أيضا ولا يلزم من كونهما حقيقة فيما تحقق فيه الحدث دخول الزمان فى مفهومهما لأن الزمان لازم الحضور، أو المضى عند التحقيق لا نفسه، فيندفع ما يقال من أن كونهما حقيقة فى


(١) الذاريات: ٦.

(٢) هود: ١٠٣.