إخراج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر
  (أنه) أى: القلب (إن تضمن اعتبارا لطيفا) زائدا على مجرد ملاحة القلب العامة (قبل) وذلك (كقوله ومهمه)(١) أى: ورب مهمه أى: مفازة (مغبرة) أى: مملوءة بالغبرة (أرجاؤه) أى: أطرافها ونواحيها، والأرجاء جمع رجا بالقصر (كأن لون أرضه سماؤه) فقد شبه لون أرض المهمه بلون سمائه أى: جوه، والأصل كأن لون سمائه لون أرضه؛ لأن الأرض هى الأصل فى الغيرة فهو المشبه به، وقد تضمن هذا التشبيه المقلوب اعتبارا لطيفا زائدا على لطافة مجرد القلب، وهو الإشعار بكثرة الغبرة فى سمائه حتى صار هو الذى ينبغى أن يكون مشبها به، فيكون أصلا والأرض هو المشبه، فيكون هو الفرع (وإلا) أى: وإن لم يتضمن ذلك القلب اعتبارا لطيفا (رد) ولم يقبل؛ لأنه عكس المراد، وعدول عن الظاهر بلا نكتة يعتد بها، وذلك (كقوله)، وهو يصف الناقة بالسمن
  (فلما أن جرى سمن عليها ... كما طينت بالفدن السياعا)(٢)
  فقد شبه الناقة فى سمنها بالفدن، وهو القصر المطين بالسياع، وهو الطين بالتبن فصار متينا أملس، لا حفرة فيه، ولا ضعف، وقد عكس فجعل المطين هو السياع، وهو الطين والمطين به هو الفدن، وهو القصر، ولم يتضمن مبالغة كما فى المصراع الثانى فى البيت الأول، لكن يمكن تحقيق المبالغة ههنا - أيضا - فإن جعل الطين هو المطين بالفدن يقتضى النهاية، والمبالغة فى كثرة الطين حتى كأنه الأصل، والفدن هو الفرع، وإذا كان المشبه به فى هذه المنزلة من المبالغة انجرت المبالغة إلى الناقة، حيث شبهت بقصر مطين بالسياع العظيم الذى بلغ فى قوته منزلة الفدن، وهو ظاهر فليفهم.
(١) البيت لرؤبة فى ديوانه ص (٣)، المصباح ص (٤٢)، والإشارات والتنبيهات ص (٥٩)، والمفتاح ص (١١٣)، وشرح المرشدى على عقود الجمان (١/ ١١٣).
(٢) البيت للقطامي في ديوانه ص ٤٠ وجمهرة اللغة ص ٨٤٥.