حذف المسند وأغراض الحذف:
  أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ}(١) ولكن هذا يعارض بقوله تعالى {قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ}(٢) إلى قوله تعالى: {قُلِ اللهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها} اللهم إلا أن يقال وقوع الأول أكثر، أو يقال حمل المذكور على الفاعل؛ لكونه أقوى العمد أحق (أو) وقوعه جوابا لسؤال (مقدر) فهو معطوف على قوله محقق وذلك (نحو) قول ضرار بن نهشل يرثى أخاه يزيد بن نهشل - ليبك) بالبناء للمجهول وقوله (يزيد) نائب الفاعل، وتعدى إليه يبكى بنفسه لأنه يستعمل متوصلا بعلى، ومتعديا بنفسه فيقال: بكيت عليه وبكيته، ولما حذف الفاعل وقع إبهام فى الكلام، يسأل عن بيانه فكأنه قيل من يبكيه فقال (ضارع) أى: يبكيه ضارع أى: ذليل (ل) أجل (خصومة) نالته مما لا طاقة له على خصومته، وإنما أمر الذليل ببكائه؛ لأنه كان دافعا عن الأذلاء والضعفاء ما ينالهم، فهو ملجأ لهم؛ فحقهم بكاؤه وتمام البيت.
  ومختبط مما تطيح الطوائح(٣)
  فقوله: مختبط، معطوف على ضارع أى: يبكيه الضارع والمختبط، وهو الذى يأتى إليك للمعروف من غير وسيلة، والإطاحة: الإهلاك وإذهاب المال وإتلافه، والطوائح جمع مطيحة، والمطيح اسم فاعل من غير الثلاثى، وهو أطاحه، لكنه جمع بفواعل على غير قياس كلواقح جمع ملقحة، وقوله: مما تطيح، يحتمل أن يتعلق بقوله مختبط؛ فيكون المعنى أن المختبط أى: السائل من أجل إهلاك الطوائح أى: الوقائع والشدائد ماله، يبكى يزيد؛ لأنه كان يكسب المعدوم، ويحتمل أن يتعلق بيبكى المقدر، فيكون التقدير، أن ذلك المختبط يبكى من أجل إهلاك المنايا يزيد، وعلى هذا التقدير ينبغى أن يجعل يبكى من اللازم، أى: يوقع البكاء من أجل ما ذكر، ويصح كونه متعديا، أى يبكيه من أجل إهلاك المنايا إياه، ولما كان هنا مظنة سؤال وهو أن يقال لماذا عدل الشاعر إلى هذا التركيب مع إمكان الأصل ويستقيم به الوزن؟ وذلك بأن
(١) يس: ٧٩.
(٢) الأنعام: ٦٣.
(٣) البيت من الطويل، وهو للحارث بن نهيك في خزانة الأدب ١/ ٣٠٣، وللبيد بن ربيعة في ملحق ديوانه ص ٣٦٢.