كون المسند اسما وأغراض ذلك
  (عكاظ قبيلة) منهم، وعكاظ: اسم لسوق للعرب، كانوا يردونه، ويجتمعون فيه، ويتناشدون الأشعار، ويتفاخرون (بعثوا) جواب كلما (إلى عريفهم) وعريف القوم: رئيسهم، ومتولى البحث والكلام فى شئونهم، حتى اشتهر بذلك، وعرف به (يتوسم) أراد إنه يصدر منه ذلك التوسم أى: يتفرس الوجوه طالبا لى؛ لأن لى جناية فى كل قوم، ونكاية لهم، فيبعثوا عريفهم ليعيننى بذلك التوسم فيطلبوا ثأرهم منى، فقوله: يتوسم، أراد إنه يصدر منه ذلك التوسم متجددا شيئا فشيئا، وقد تقدم أن دلالة الفعل على هذا المعنى ليست بالأصالة، بل بقرينة السياق، كما فى الشاهد؛ لأن تعيين المطلوب إنما يحصل بعد التفرس المتجدد كثيرا فى السوق.
كون المسند اسما وأغراض ذلك
  (وأما كونه اسما) أى: وأما الإتيان بالمسند اسما (ف) يحصل (لإفادة عدمهما) أى: لدلالة الاسم على عدم التقييد والتجدد المذكورين، وعدمهما هو: إفادة الدوام المقابل للتقييد بزمن مخصوص، وإفادة مطلق الثبوت المقابل للتجدد، وذلك لأغراض يقتضيها المقام: ككمال المدح، أو الذم؛ لأنهما بالدائم الثابت أكمل، أما دلالة الاسم على مطلق الثبوت فهى على أصل وضع الاسم، فقول من قال يدل اسم الفاعل على الحدوث، بخلاف الصفة المشبهة، يحمل على أن ذلك بعروض الاستعمال، وهو كثير لا فى أصل الوضع، وإلا كان كالفعل، وأما دلالته على الدوام فبالقرينة والسياق، لا فى أصل الوضع جزما، وذلك (كقوله: لا يألف الدرهم المضروب صرتنا)(١) وهى: وعاء جمع الدراهم (لكن يمر عليها وهو منطلق) فتعبيره بمنطلق للإشعار بأن انطلاق الدرهم على الصرة أمر ثابت دائم لا يتجدد، مبالغة فى مدحهم بالكرم، وأن الدرهم ليس له استقرار ما فى الصرة أصلا، وقد علم مما ذكرنا أن الدوام بالسياق، والقرينة الموجبة لذلك، وإلا فأصل الدلالة مطلق الثبوت كما قال الشيخ عبد القاهر: موضوع الاسم على أن يثبت به الشيء للشيء من غير اقتضاء أنه يتجدد ويحدث شيئا فشيئا، فلا تعرض فى قولك: زيد منطلق لأكثر من إثبات الانطلاق بالفعل له، كما فى زيد طويل، وعمرو قصير، فعلم من كلامه أن دلالة الاسم على الدوام خلاف الأصل، كما أن
(١) البيت للنضر بن جؤية في الإشارات والتنبيهات ٦٥، ودلائل الإعجاز ١٧٤، ومعاهد التنصيص ١/ ٢٠٧، وشرح الواحدي على ديوان المتنبي ١٥٧.