تقييد الفعل بالشرط إن وإذا ولو:
  فقس. وها هنا اعتبار أن فى الشرط والجزاء أحدهما: اعتبار أهل العربية، وهو الذى دل عليه كلام المصنف، وهو أن الجزاء هو المعتبر فى أصل الإفادة، والشرط قيد فى حكمه بمنزلة الفضلات، كالمفعول، ونحوه كالظرف، فإذا قلت: إن جئتنى أكرمتك فالمعتبر لأصل الإفادة هو الإخبار بالإكرام، وأما المجيء فهو قيد فيه، فكأنك قلت: أكرمك وقت مجيئك، وإذا كان الجزاء هكذا خبرا، فالكلام خبر، وإن كان إنشاء كقولك: إن جاء زيد فأكرمه، فالكلام إنشاء ولم تخرجه أداة الشرط عن احتمال الصدق والكذب؛ إن كان الكلام خبريا إلا الشرط، كما أن المفعول - مثلا - من حيث هو لا يحتمل صدقا ولا كذبا، وليس هنا حكم بلزوم الجزاء للشرط، ولذلك يصح أن يكون الجزاء إنشاء إذ لا لزوم بين الإنشاء من حيث هو إنشاء، وبين الشرط؛ لأن الإنشاء وقت التكلم، والشرط المتصل بأن - مثلا - استقبالى، وعلى هذا فأهل العربية استعملوا قط قضية حكموا فيها باللزوم بالقصد الذاتى، فإن كان ثم لزوم بين الشرط والجزاء، فهو اتفاقى غير مقصود، كما يتفق استلزام الفعل لوقت مخصوص، أو لمفعول مخصوص - مثلا - والثانى: من الاعتبارين أن الجزاء والشرط أخرجتهما الأداة معا عن احتمال الصدق والكذب، وليس حكم الجزاء هو المعتبر فى القضية لذلك الاحتمال، بل المعتبر اللزوم بينهما حقيقيا، أو اتفاقيا، فمتى ثبت اللزوم بين الجزاء والشرط، صدقت القضية، ولو لم يقع واحد منهما، فإذا قيل: كلما جئتنى أكرمتك - وكان ثم ربط بين المجيء والإكرام - صدقت القضية، ولو لم يجئ، ولم يكرم، وهذا الاعتبار منطقى، فتقرر بهذا أن الحكم فى الاعتبار الأول فى قولنا: إن جئتنى أكرمتك، إنما هو ثبوت الإكرام وقت المجيء المفاد بالشرط، فالشرط قيد فيه كسائر الفضلات، والحكم فى الاعتبار الثانى إنما هو ثبوت اللزوم بين المجيء والإكرام، حتى إنك إذا قلت: إن جاءك زيد فأكرمه، فالمراد إثبات اللزوم بين المجيء والأمر بالإكرام، ولو كانت صورة الجزاء إنشاء، وقد تبين بما ذكر الفرق بين الاعتبارين، وورد على أن اعتبار النحويين مخالف بما ذكر؛ لاعتبار المنطقيين أنه إذا قيل - مثلا - إن جاءك زيد فقد أحسن يكون كذبا عند أهل العربية متى لم يجئ، ولو ثبت الربط بين المجيء والإحسان فى نفس الأمر؛ وذلك لأن الحكم المقيد بقيد