استطراد إلى التغليب
  الشرط على الاعتبار الأول، ولذلك قلنا إنه الأصل كذا ذكر، وفيه شيء لأنه لا تتحقق عليه لاحق لسابق وما مثل به غير تام للدلالة على المراد، فإن الفرح الآن إنما ترتب فى الحقيقة على العلم بحصول البرء غدا أو على العلم بإمكانه وهو استقبالى أو حالى، وعلى تقدير كونه حاليا، فلا تعليق فى الحقيقة، تأمل.
  (ولا يخالف ذلك لفظا) أى: ولا تقع المخالفة فيما ذكر بأن تكون الجملتان غير فعليتين، أو استقباليتين فى لفظهما (إلا لنكتة) أى: فائدة، وإنما امتنعت المخالفة حتى فى لفظ الجملتين؛ لأن الدلالة على المعنى بما يطابقه هو مقتضى الظاهر، ومخالفته بلا فائدة ممتنع فى باب البلاغة، وأشار بقوله (لفظا) إلى أن الكلام إنما هو فى المخالفة فى اللفظ، وأما المعنى حيث أريد إجراء إن وإذا على أصلهما فلا يتصور فيه التخالف أصلا وإنما يتصور فيه، حيث أخرجتا عن أصلهما على ما يذكر الآن فإذا كان الكلام فى المخالفة اللفظية فعلى تقدير وقوعها لنكتة، كأن تكون الجملتان ماضويتين، أو إحداهما أو تكون الجزائية اسمية فالمعنى على الاستقبال الذى هو الأصل فقولك مثلا (إن تكرمنى اليوم فقد أكرمتك بالأمس) معناه إن تعتد على بإكرامك اليوم فأعتد عليك بإكرامى إياك أمس، والسر فى العدول فى نحو هذا المثال إلى المضى فى الجواب ذكر المعتد به الذى هو أبلغ فى الرد مع ما فيه من الإغضاء عن ذكر لفظ الاعتداد الموحش ولما قصد ذكر المعتد به وهو ماض ذكر بلفظ المضى المناسب وكذا قوله تعالى {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ}(١) المعنى: وإن يكذبوك فاصبر، وذكر تكذيب الرسل الماضى بلفظ المضى المناسب له لقصد ذكر ما يتسلى به، ويحمل على الصبر، وأشعر تقدير الجواب فى الآية الكريمة أن الجواب يجوز أن يكون إنشاء بخلاف الشرط؛ لأنه مقدر الحصول فلا يكون إنشاء، وأما الجواب فلما كان الغرض منه بيان ما يترتب على الشرط صح كونه أمرا؛ لدلالته على حصول الحدث فى الاستقبال، فصح ترتبه على الشرط، ولكن إذا بنى على مفاد الكلام الذى فيه الشرط، والجزاء ربط أمر بأمر؛ بحيث يترتب أحدهما على الآخر عند حصوله وجب تأويل جملة الجواب بالخبرية فإن دلالة
(١) فاطر: ٤.