مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

استطراد إلى التغليب

صفحة 335 - الجزء 1

  الأمر مثلا على الحصول فى المستقبل إنما ذلك باعتبار المطلوب، وأما نفس الطلب الذى هو الجواب هو حالى لا ترتب له على الشرط الاستقبالى أصلا فإذا قيل على هذا إن قمت فتكلم، فالمعنى إن قمت فالمطلوب منك الكلام، ولا يترتب إنشاء طلب الكلام الذى حصل الآن على القيام، وإنما يترتب عليه كونه مطلوبا بتحصيل الكلام فالمستقبل فى الحقيقة إيجاد الكلام وكونه مطلوبا منه، وذلك معنى خبرى لا طلبك أنت الآن، نعم إن بنى على أن الشرط قيد فى الجواب صح كونه إنشاء، ولكن لا يعلل حينئذ بكونه دالا على ما يترتب إذ لا ترتب هنا؛ بل إنشاء طلب شيء مقيد بشرط فتأمله ثم ما ذكر؛ لأن من كونها لتعليق حصول فالحصول فى الاستقبال هو الأصل فيها، وعند إرادته بالحكم ما تقدم، وقد تستعمل فى غير ذلك الأصل فتدخل على الماضى حقيقة ويقاس دخولها على الماضى إن كان الفعل الذى دخلت عليه كان، وذلك كما فى قوله تعالى {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ}⁣(⁣١) {إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍ}⁣(⁣٢) كما تقدم، ولا يقال إن كان المعنى أن يتبين منكم أنكم مرتابون قبل، فافعلوا كذا فهو تعليق على مستقبل، وإن كان المعنى إن حصل منكم الريب فافعلوا كذا - كما هو الظاهر - لزم تعليق مستقبل على ماض، وهو غير صحيح؛ لأنا نقول لا مانع من تعليق مستقبل على ماض أما على أن الجواب هو المقيد فى التركيب والشرط قيد، ويكون التقدير فى الآية الكريمة افعلوا كذا بقيد حصول الريب منكم فيما مضى فظاهر؛ لأن التقييد بالماضى صحيح لصحة أن يقال أكرم زيدا غدا إن كان أكرمك أمس على معنى أنك مأمور بالإكرام لزيد بقيد كونه سبق منه الإكرام، مع أن الفعل فى الآية على تقدير الاستمرار إلى وقت حصول الجواب، وأما على المعتمد من أنه ربط وقوع بوقوع فليس من شرطه اللزوم الوقتى؛ بل كون أحدهما وهو الشرط إن وقع فالآخر واقع ولو فى غير زمنه، فالتقدير إن حصل منكم ريب فيما مضى يعنى واستمر إلى وقت الخطاب فأنتم مطالبون بما يزيله وهو


(١) البقرة: ٢٣.

(٢) يونس: ١٠٤.