استطراد إلى التغليب
  طلبكم المعارضة المفيدة لعجزكم وإنما قلنا يعنى واستمر للعلم بأن من أمر بطلب المعارضة هو المرتاب فى الحين لا الذى سبق منه الريب وهو الآن مؤمن فليفهم.
  وكذا يطرد كون الفعل مع إن ماضيا إن أريد مجرد الربط بشيء فى الجملة، وذلك حيث ترد الجملة بعد واو الحال لإفادة التأكيد بحالة إغيائية كقولك (زيد لئيم) وإن أعطى جاها وبخيل وإن أعطى مالا أى: هو موصوف باللؤم ولو فى حال إعطاء الجاه وبالبخل ولو فى حال إعطاء كثرة المال، ولكن هذه لا تحتاج إلى الجواب على المختار فهى خارجة عما نحن بصدده وهى إن الشرطية؛ لأن جملة إن هذه حالية لا شرطية، وربما ورد دخولها على غير كان وهو ماض على وجه القلة كقوله:
  فيا وطنى إن فاتنى بك سابق ... من الدهر فلينعم لساكنك البال(١)
  ومعنى البيت أنه إن سبق زمان غلب على، وفوت عنى سكنى وطنى، وتولاه غيرى فلتطب نفس ذلك الساكن وليتنعم بالا، وجواب الشرط محذوف، أى: فلا لوم على فقد تركتك كرها من غير ابتياعك بعيب دل عليه قوله (فلينعم لساكنك البال) والغرض التحسر على مفارقة الوطن ثم لما ذكر أن التعبير فى جملة الشرط والجواب بصيغة المضارع، حيث أريد استعمال إن معها فى الأصل، وهو الاستقبال هو اللازم أصالة، وأنه لا يعدل عن ذلك إلا لنكتة أشار إلى تفصيل النكتة فى ذلك بالمثال فقال (كإبراز) أى: إظهار (غير الحاصل) وهو المستقبل (فى معرض) كمسجد اسم لما يعرض فيه الشيء ويظهر فيه أى: فى صورة (الحاصل) وهو الماضى، ولما كان إبراز غير الحاصل فى معرض الحاصل حاصله التعبير عن المستقبل الذى لم يحصل بما يشعر بحصوله، وهو أمر جملى يحتاج إلى بيان سر به يطابق الحال؛ لأن تنزيل الشيء منزلة غيره فيعطى حكمه يحتاج إلى بيان السبب أشار إلى العلل فى ذلك فقال (إنما يبرز غير الحاصل فى معرض الحاصل لقوة الأسباب) المتآخذة فى حصوله أى: المجتمعة فيه بحيث أخذ بعضها بعضد بعض، فإن الشيء إذا تقوت أسبابه يعد حاصلا فيعبر عنه بما يبرزه فى صورة الحاصل، وذلك يطابق المقام لما فيه من تأنيس النفس بحصوله
(١) البيت لأبي العلاء المعري في شرح عقود الجمان ١١٢.