مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

استطراد إلى التغليب

صفحة 338 - الجزء 1

  تقدم بيانه وأن الكلام به يكون مناسبا للمقام وهو ظاهر، وأما كونه لأجل إظهار الرغبة فيتوقف على استلزامه إياه، وفيه خفاء ما، ولذلك أشار إلى وجه اقتضاء إظهار الرغبة لذلك الإبراز فقال (فإن الطالب) أى الراغب (إذا عظمت رغبته فى) حصول (أمر) من الأمور (يكثر تصوره إياه) أى: يكثر تصور ذلك الطالب لذلك الأمر (فربما يخيل إليه) أى: يخيل ذلك الأمر لذلك الطالب (حاصلا) لما تقرر من أن الاتصال الروحانى كثيرا ما يتوهم كونه جسمانيا، فإذا تخيل حاصلا فحينئذ يعبر عنه بلفظ المضى، فتقرر من هذا أن من أسباب إبراز غير الحاصل فى معرض الحاصل إظهار الرغبة، وإنما فهم إظهار الرغبة من ذلك الإبراز بواسطة ما تقرر أن الراغب فى الشيء كثيرا ما يعبر بلفظ المضى عن الاستقبال لكثرة التصور الموجب لتخيل الوقوع المقتضى لذلك التعبير، والغرض من إظهار الرغبة، إما استدعاء الامتثال، أو الإعطاء أو الإعانة على المراد ونحو ذلك فتأمل فى هذا المحل فإن ما ذكر المصنف لا يفى بالمراد، وما قررناه مبين له والله الموفق بمنه (وعليه) أى: وعلى استعمال إن مع الماضى مع أن الأصل المضارع لإبراز غير الحاصل فى معرض الحاصل لقصد إظهار الرغبة فى الحصول يجرى قوله تعالى {وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ}⁣(⁣١) أى: إماءكم على البغاء أى: الزنا {إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً}⁣(⁣٢) والأصل إن يردن فعبر بالمضى؛ لإظهار الرغبة فى إرادتهن التحصن وهذا ولو كان مقتضى اللزوم بينهما - الذى هو كثرة التصور وتخيل الحصول - محالا فى حقه تعالى؛ لكن يجرى الكلام مع المخاطبين منه تعالى على حسب ما تقتضيه بلاغة خطابهم، ورغبته تعالى فى الوقوع إيجابه وطلبه لا تمنيه وفى هذه الآية بحث مشهور، وهو أن مقتضى التركيب الذى فيه الشرط انتفاء الحكم عند انتفائه؛ لأن مفهوم الشرط من المفاهيم المعتبرة، وعليه يكون مفهوم الشرط فى الآية الكريمة انتفاء النهى عن الإكراه إذا انتفى الشرط الذى هو إرادة التحصن، فيكون الإكراه جائزا عند انتفاء إرادتهن التحصن وجواز الإكراه على البغاء منتف بالضرورة شرعا، وقد أجيب بأن مفهوم


(١) النور: ٣٣.

(٢) النور: ٣٣.