استطراد إلى التغليب
  انتفاء الثانى، وذلك بحسب ما يقصد فى متفاهم اللغة، ولذلك يقال إنها حرف امتناع لامتناع أى: حرف يفيد امتناع الجزاء لامتناع الشرط، وقد تقدم وجه إفادتها امتناع الجزاء وأن ذلك من دلالتها على امتناع الشرط وهذا المعنى أعنى كونها تفيد امتناع الجزاء لأجل إفادتها امتناع الشرط يحتمل وجهين أحدهما: أن يكون التقدير إنما تفيد ذلك بحسب متفاهم اللغة بالوجه السابق كما قررنا، والثانى: أن يكون التقدير إنما تفيد ذلك من جهة الاستدلال العقلى بمعنى أنها تفيد ربطا بين الجزاء والشرط على وجه يقتضى أن انتفاء الأول يستدل به عقلا على انتفاء الثانى، وهذا المعنى الثانى يقتضى أن مدخولها وهو الشرط هو اللازم ليستدل بانتفائه على انتفاء الملزوم الذى هو الجزاء والمقرر فى القضية الشرطية عكسه، وهو أن اللازم هو الجزاء وهو المسمى بالتالى عند المناطقة، وبانتفائه يستدل على انتفاء الأول دون العكس، وذلك كقوله تعالى {لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا}(١) فالتالى الذى هو الجزاء - أعنى: الفساد - يستدل بانتفائه على انتفاء تعدد الآلهة وهو مقصود الآية، ولا يستدل بانتفاء التعدد على انتفاء الفساد أى: استحالته لصحة وقوعه بإرادة الواحد وهذا إذا أريد بالفساد اختلال نظام السموات والأرض؛ لأنه لازم للتعدد عادة، وهو أعم فى نفسه كما يلزم من تعدد الحاكم اختلال أمر البلد، وأما إن أريد به التمانع، فهما متلازمان، ولما فهم ابن الحاجب هذا المعنى من قولهم حرف لامتناع الجزاء لامتناع الشرط اعترض بأن الواقع العكس أى: كونها حرفا لامتناع الشرط لامتناع الجزاء إذ لا يلزم من انتفاء الشرط انتفاء الجزاء، ويلزم من انتفاء الجزاء انتفاء الشرط، وأما الوجه الأول إذا أريد فلا اعتراض عليه؛ لأن المعنى حينئذ أن انتفاء الشرط بين بلو ليدل على امتناع الجزاء دلالة لغوية من جهة إشعار الربط بلو أن الأول شرط مع إشعارها بانتفاء الشرط، ومن شأن الشرط أن ينتفى إذا انتفى المشروط، ويحتمل حينئذ أن يكون المراعى فى مفاد لو كون الجزاء إنما انتفى فى الخارج بسبب انتفاء الشرط؛ لأن الشرط كما يستدل به على الانتفاء بحسب متفاهم اللغة يجوز أن يحصل سببا للانتفاء فى الخارج فيراد ذلك عند علم
(١) الأنبياء: ٢٢.