استطراد إلى التغليب
  المخاطب، أو كونه كالعالم بالجزاء، فلا يفتقر للاستدلال عليه، وإنما يفتقر لبيان علته، فحينئذ تكون الجملة ولو كانت فى صورة الشرطية فى معنى الجملية المعللة، فإذا قلت (لو جئتنى لأكرمتك) يكون المعنى على هذا الاحتمال أن الإكرام إنما انتفى فى الخارج بسبب انتفاء المجيء ويكون كلاما مع من كان عالما، أو بصدد العلم بانتفاء الجزاء، وهو طالب أو كالطالب لعلة انتفائه فى الخارج، وعلمه بذلك حاصل بدليل آخر يسمى علة العلم وهذا الاحتمال قيل أنه هو الأكثر فى قصد أهل اللغة، ويصدق مع ما يحصل فيه الوجه الأول من الوجهين السابقين، كما أشرنا إليه وعليه قوله أى: الحماسى.
  فلو طار ذو حافر قبلها ... لطارت ولكنه لم يطر(١)
  لأن عدم طيران الفرس معلوم، والغرض بيان السبب فى عدم طيرانها، وهو عدم طيران ذى حافر قبلها وكذلك قوله أى: المعرى
  فلو دامت الدولات كانوا كغيرهم ... رعايا ولكن ما لهن دوام(٢)
  فنفى دوام الدولات الذى هو مفاد (لو) لأنها لانتفاء الشرط سبب لعدم كونهم رعايا كغيرهم للممدوح؛ لأنهم لا يعيشون معه إلا رعايا ومعلوم أن بانقراضه انتفى كونهم رعايا له، وإنما المراد بيان سبب ذلك الانتفاء فى الخارج فعلى هذا يكون معنى قولهم لو لامتناع الجزاء لأجل امتناع الشرط أن امتناع الشرط سبب لامتناع الجزاء لا أنه دليل عليه، كما قالوا لو لا لامتناع الجزاء لأجل وجود الشرط بمعنى إن وجود الشرط سبب لامتناع الجزاء فى الخارج لا أنه دليل عليه، وبينه المثال وهو ما ورد (لو لا علي لهلك عمر) فإن المراد أن وجود على سبب فى الخارج لعدم هلاك عمر لا أنه دليل عليه، إذ لم تقصد إفادته للعلم بعدم الهلاك وإنما المراد بيان السبب المانع من الهلاك بعد العلم بالامتناع ولكن هذان الوجهان العربيان أعنى: الاستدلال بنفى الشرط على نفى المشروط، وبيان كون نفى الشرط سببا فى الخارج لنفى المشروط، وهو الجزاء عند كون الغرض إفادة انتفاء المشروط للجهل به، أو بيان انتفائه عند العلم به لا يستقيمان
(١) البيت من المتقارب وهو للحماسي في شرح عقود الجمان ١١٤.
(٢) البيت من الطويل، وهو للمعري في شرح عقود الجمان ١١٤.