استطراد إلى التغليب
  فى نحو قولنا (لو كان هذا إنسانا لكان حيوانا) لأن الإنسانية ليست شرطا فى الحيوانية حتى يكون نفيها دليلا أو سببا لنفى الحيوانية، وإنما يطرد فيه الوجه الثانى من الوجهين السابقين، وهو بيان اللزوم بين المقدم، والتالى ليستفاد من نفى التالى نفى المقدم، وهذا الوجه هو الذى حمل عليه الإمام ابن الحاجب مفاد (لو) كما تقدم فقال إن قولهم هى لامتناع الجزاء لأجل امتناع الشرط لا يستقيم؛ لأن الشرط سبب ولا يلزم من نفيه نفى المسبب؛ لأن الشيء قد يكون له أسباب يستقل كل منها بإفادة ذلك المسبب فلا يلزم من نفى واحد منها نفى ما سواه بخلاف نفى المسبب الذى هو التالى، فهو يستلزم نفى جميع الأسباب، وقبل المتأخرون كلامه، وزادوه بيانا بأن التالى إن كان مسببا فكما قال، وإلا فهو لازم كما فى قولك (لو كان هذا إنسانا كان حيوانا) ولا يلزم من نفى الملزوم نفى اللازم، بل الأمر بالعكس والجواب أن هذا المعنى، ولو كان مستعملا لغة لكنه قليل باعتبار الآخرين، وإنما هذا استعمال أهل المعقول جروا عليه كثيرا؛ لأن غرضهم تركيب الأدلة من القضايا الشرطية اللزومية، والمناسب فى اعتبار الشرط ما ذكر وعلى الاستعمال اللغوى المتقدم وهو كون المراد بالشرطية إفادة معنى الحملية المعللة بعلة لبيان تلك العلة، وأنها سبب ذلك الحكم المعلوم فى الخارج ورد قوله تعالى {وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ}(١) لأن عدم إسماعهم معلوم وبين أن علته نفى علم الخير فيهم، فكأنه قيل لم يسمعهم الله لعدم علم الخير فيهم وقوله تعالى {وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ}(٢) استعملت فيه (لو) لإفادة معنى آخر قد تستعمل فيه (لو) أيضا، وهو أن هذا الشرط يلزمه الجزاء على تقدير وقوعه لئلا يتوهم أنه إنما يلزم نقيضه فقط، فالمعنى أنهم متولون عن الإيمان معرضون عنه، بمعنى أنهم موصوفون بدوامهم على كفرهم إن لم يسمعوا، وكذا لو سمعوا كما يقال (لو لم يخف فلان الله تعالى لم يعصه) بمعنى أنه لو انتفى الخوف لما عصى للمحبة كما أنه من باب أحرى لا يعصيه عند نقيضه وهو الخوف، وعلى هذا لا يرد أن يقال إن هنا قضيتين شرطيتين
(١) الأنفال: ٢٣.
(٢) الأنفال: ٢٣.