ترك تخصيص المسند
  قيل - مثلا - الأمير زيد، فكأنه قيل جميع أفراد الأمير محصورة فى زيد، فقد ظهر الحصر بهذا الاعتبار، وأما إذا أريد به الحقيقة فكأنه يقال حقيقة الجنس متحدة بذلك الفرد، فهو كالتعريف مع المعرف، فلا توجد تلك الحقيقة فى غير ذلك الفرد؛ لعدم صحة وجود ذلك المتحد بها فى فرد آخر، فإذا قيل زيد الأمير، فكأنه قيل الإمارة وزيد شيء واحد، فلا توجد فى غيره كما لا يوجد زيد فى غيرها، وهذا المعنى أبلغ وأدق من الأول، ولم يعتبره الواضع عند الاستعمال إلا فى المعرف دون المنكر، ولو كان دالا على الحقيقة على الصحيح، وإنما المعتبر فى المنكر كونه صادقا على ذلك الفرد لا متحدا به، ولذلك لم يفد الحصر، ثم الجنس المذكور إما مطلق كما فى الأمثلة، وإما مقيد؛ لأن تقييده لا يخرجه إلى الشخصية، فيكون حصره باعتبار ذلك القيد من وصف أو حال أو ظرف نحو قولك: هو الرجل الكريم، أى: انحصرت الرجولية الموصوفة بالكرم فيه، لا توجد فى غيره، بخلاف مطلق الرجولية، وقولك: هو السائر راكبا، أى: انحصر فيه السير بحال الركوب دون مطلق السير، وهو الأمير فى البلد أى: انحصرت فيه إمارة البلد دون مطلق الإمارة، فهى لغيره أيضا، وهو الواهب ألف قنطار، أى: اختص بالهبة للألف بخلاف مطلق الهبة فهى لغيره أيضا، وكل ذلك مما دلت عليه تراكيب البلغاء، وأشار بقوله: قد يفيد، إلى أنه قد لا يفيد القصر، كما فى قول الخنساء:
  إذا قبح البكاء على قتيل ... رأيت بكاءك الحسن الجميلا(١)
  لأن هذا الكلام للرد على من يتوهم أن البكاء على هذا المرثى قبيح كغيره، فالرد على ذلك المتوهم بمجرد إخراج بكائه من القبح إلى كونه حسنا، وليس هذا الكلام واردا فى مقام من يسلم حسن البكاء عليه، إلا أنه يدعى أن بكاء غيره حسن أيضا؛ حتى يكون معناه أن بكاءك هو الحسن الجميل فقط دون بكاء غيرك، فإنه ليس بحسن، فليس المعنى على الحصر - كما توهم - إذ لا يلائمه، إذا قبح البكاء إلخ، وإنما الملائم له إذا ادعى حسن البكاء عليك وعلى غيرك، فيقال حينئذ: فإن بكاءك - فقط -
(١) البيت للخنساء في بكاء أخيها صخر، وهو في ديوانها ص ٢٢٦ - طبعة المكتبة الكائوليكية - بيروت - ولسان العرب (بكا) والإيضاح ص ١٠٥ بتحقيق د. عبد الحميد هنداوى.