كون المسند جملة
  فمن حيث رعاية تلك المناسبة التى لا يتفطن لها إلا البليغ يكون بيانيا فليفهم. ثم سبب التقوى فى الجملة الخبرية التى هى غير السببية، كقولك: زيد قام - على ما ذكره صاحب المفتاح - هو أن المبتدأ لكونه مبتدأ، أى: جيء به ليخبر عنه بمنسوب إليه يستدعى أن ينسب إليه شيء، وإلا لم يكن مسوقا ليخبر عنه، فلا يكون مبتدأ، فإذا جاء بعده ما يصلح أن يسند إلى ذلك المبتدأ صرفه ذلك المبتدأ إلى نفسه من حيث اقتضاؤه ما يسند إليه سواء كان ذلك الصالح خاليا من الضمير كقولك: التمساح حيوان، أو متضمنا له كقولك: زيد ضارب، فينعقد بينهما أى: بين المبتدأ والصالح لأن ينسب إليه حكم أى: ثبوت الثانى للأول، واتصاف الأول بالثانى اتصافا معنويا، ثم إذا كان الثانى متضمنا لضمير الأول المعتد به، وكون ضميره معتدا به يحصل بأن لا يكون الثانى شبيها بالخالى عن الضمير؛ لكونه مشتقا كما تقدم من أنه يشبه الخالى فى عدم تغيره فى الخطاب والغيبة والتكلم، كقولك: زيد قائم، وأنت قائم، وأنا قائم، كما تقول: زيد إنسان، وأنا إنسان، وأنت إنسان، بخلاف الفعل، صرفه أى: إذا كان الثانى متضمنا للضمير على الوجه المذكور صرفه ذلك الضمير إلى المبتدأ ثانيا، فيكتسى الحكم الذى هو ثبوت الفعل حيث اشتمل التركيب على تحقيقه مرتين قوة، وهذا فى الإثبات واضح، وأما فى النفى كقولك: زيد ما أكل، فيقال فيه: إن سلب الأكل المحكوم به يطلب المبتدأ، وضميره يطلب الفعل، وهو منفى فيصير الإسناد إلى المنفى؛ فيحصل إسناد نفى الفعل مرتين، فيلزم التقوى المذكور، ولكن ما ذكر يقتضى أن المسند إلى المبتدأ هو نفس الفعل مثبتا أو منفيا، لا مضمون تركيبه مع الضمير وهو نسبته له، إذ لو كانت تلك النسبة هى المسندة إلى المبتدأ لم يحقق فيها الإسناد مرتين، على أنه يمكن أن يقال فيها يتحقق ذلك فيها من حيث كون الضمير لذلك المبتدأ، لكن ظاهر العبارة أن المسند الفعل خاصة، وعلى هذا يختص التقوى بما يكون مسندا إلى ضمير المبتدأ، ويخرج عنه نحو زيد ضربته؛ لأن صرف الضمير إياه للمبتدأ ليس كما صرفه المبتدأ إلى نفسه؛ لأن المبتدأ صرفه على أنه عمدة، والضمير على أنه فضلة، ولكن يرد أن يقال: مرادهم بالصرف هنا اقتضاء كل منهما لنسبته له نسبة ما؛ ولذلك استثنوا الصرف الذى هو